بسم الله الرحمن الرحيم
مع الجزء الثانى
وإذا كانت الجماعة هي القوة التي تحمي دين اللّه،وتحرس دنيا المسلمين،فإن الفرقة هي التي تقضي على الدين والدنيا معاً.
ولقد نهى عنها الإسلام أشد النهي؛إذ إنها الطريق المفتوح للهزيمة،ولم يؤت الإسلام من جهة،كما أُتِيَ من جهة الفرقة التي ذهبت بقوة المسلمين،والتي تخلف عنها الضر،والفشل،والذل،وسائر ما يعانون منه:
" وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " [آل عمران:105]،
" ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " [الأنفال:46]،
" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا " [آل عمران:103]،
" مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ " [الروم:31،32]،
" إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " [الأنعام:159]،
"لا تختلفوا؛فإن من كان قبلكم اختلفوا،فهلكوا"(1).
ولن تصل الجماعة إلى تماسكها،إلا إذا بذل لها كل فرد من ذات نفسه وذات يده،وكان عوناً لها في كل أمر من الأمورالتي تهمها؛سواء أكانت هذه المعاونة معاونة مادية،أو أدبية،وسواء أكانت معاونة بالمال،أم العلم،أم الرأي،أم المشورة،
"الناس عيال اللّه،أحبهم إلى اللّه أنفعهم لعياله"،
و:"خير الناس أنفعهم للناس"
و:"إن اللّه يحب إغاثة اللهفان"
و:"اشفعوا، تُؤجَرُوا"
و:"المؤمن مرآة المؤمن،والمؤمنُ أخو المؤمنِ،يكف عنه ضَيْعَتَه،ويحوطه من ورائه"
و:"إن أحدكم مرآة أخيه،فإن رأى منه أذى،فليحطّه عنه".
وهكذا يعمل الإسلام على تحقيق هذه الروابط،حتى يخلق مجتمعاً متماسكاً،وكياناً قويّاً،يستطيع مواجهة الأحداث،ورد عدوان المعتدين،وما أحوج المسلمين في هذه الآونة إلى هذا التجمع ! إنهم بذلك يقيمون فريضة إسلامية،ويحرزون كسباً سياسياً، ويحققون قوة عسكرية تحمي وجودهم،ووحدة اقتصادية توفّر لهم كل ما يحتاجون إليه من ثروات.
لقد ترك الاستعمار آثاراً سيئة؛من ضعف في التدين،وانحطاط في الخلق،وتخلف في العلم،ولا يمكن القضاء على هذه الآفات الاجتماعية الخطيرة،إلا إذا عادت الأمة مُوَحّدَة الهدف،متراصَّةَ البنيان،مجتمعةَ الكلمةِ،كالبنيان المرصوص،يشدّ بعضه بعضاً.