الفتوى الثامنة: الفتوى رقم (8308):
السؤال
نفيدكم أنه يعيش كثير من إخواننا المسلمين أهل السنة على ساحل فارس، ويريدون أداء فريضة الحج، ولكنهم لا يستطيعون السفر مع أهل إيران؛ لكونهم من الشيعة، تحسبًا لما ينجم من مشاكل معهم في الطريق، وكذلك لا تسمح لهم حكومات الدول العربية المتاخمة لهم بالسفر من منافذها، فهل يجوز لهم أن يرسلوا نفقات حجهم إلى أقارب لهم بدولة أخرى ليحجوا عنهم؟ أفتونا مأجورين، مع التوضيح الكامل في الإجابة، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الواجب عليهم أن يحجوا ولو مع الشيعة إذا كانوا مستطيعين للحج، وعليهم مع ذلك الحذر من شبهات الشيعة ومذهبهم الباطل، وإن تمكنوا أن ينصحوهم ويدعوهم إلى اعتناق مذهب أهل السنة وجب عليهم ذلك؛ لقول الله سبحانه: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) [النحل:125]، وغيرها من الآيات الدالة على وجوب الدعوة إلى الله سبحانه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أصلح الله حال الجميع.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الفتوى الثالثة عشرة:
السؤال:
إذا كان المدعوون متأثرين بثقافات معينة أو بمجتمعات معينة ما هو السبيل لدعوتهم؟
الجواب:
يبين لهم ما في المذاهب التي تأثروا بها والبيئة التي تأثروا بها من الباطل، ويبين لهم أن هذه المذاهب فيها كذا وكذا، ويوضح ما فيها من أنواع الباطل والبدع إذا كانت كذلك، ويبين لهم أن المرجع في جميع الأمور هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما حصلتم عليه من كذا وكذا وما تعلمتم من كذا وكذا وما تخلقتم به بسبب البيئة- الاختلاط- عليكم أن تعرضوا ذلك على الميزان الشرعي، مثل ما يعرض العلماء مسائل الفقه على الأدلة الشرعية، فما وافقها وجب أن يبقى، وما خالفها وجب أن يطرح، ولو كانت من عادات الآباء والأسلاف والمشايخ وغيرهم.
والخلاصة: أن الواجب التمسك بالخلق الصالح والسيرة الحسنة التي دل عليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يتعصب لسيرة أبيه أو جده أو بيئته أو بيئة بلده؛ بل عليه أن يتمسك بالحق الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع سلف الأمة.
الفتوى الرابعة عشرة:
قال ابن باز في جواب عن حكم السفر للخارج والإقامة مع العوائل:
«...فالواجب على المسلمين الحذر من السفر إلى بلاد أهل الشرك إلا عند الضرورة القصوى، إلا إذا كان المسافر ذا علم وبصيرة، ويريد الدعوة إلى الله والتوجيه إليه، فهذا أمر مستثنى، وهذا فيه خير عظيم؛ لأنه يدعو المشركين إلى توحيد الله ويعلمهم شريعة الله، فهو محسن وبعيد عن الخطر؛ لما عنده من العلم والبصيرة، والله المستعان».
الفتوى الخامسة عشرة:
السؤال:
متى تشرع مقاطعة المبتدع؟ ومتى يشرع البغض في الله؟ وهل تشرع المقاطعة في هذا العصر؟
الجواب:
المؤمن ينظر في هذه المقامات بنظر الإيمان والشرع والتجرد من الهوى، فإذا كان هجره للمبتدع وبعده عنه لا يترتب عليه شر أعظم؛ فإن هجره حق، وأقل أحواله أن يكون سنة، وهكذا هجر من أعلن المعاصي وأظهرها أقل أحواله أنه سنة، أما إن كان عدم الهجر أصلح؛ لأنه يرى أن دعوة هؤلاء المبتدعين وإرشادهم إلى السنة وتعليمهم ما أوجب الله عليهم يؤثر فيهم ويزيدهم هدى، فلا يعجل في الهجر، ولكن يبغضهم في الله كما يبغض الكافر والعصاة، لكن يكون بغضه للكفار أشد، مع دعوتهم إلى الله سبحانه، والحرص على هدايتهم عملًا بجميع الأدلة الشرعية؛ ويبغض المبتدع على قدر بدعته إن كانت غير مكفرة، والعاصي على قدر معصيته، ويحبه في الله على قدر إسلامه وإيمانه، وبذلك يعلم أن الهجر فيه تفصيل، وقد قال ابن عبد القوي في نظمه المقنع ما نصه: هجران من أبدى المعاصي سنة، وقد قيل: إن يردعه أوجب وآكد، وقيل: على الإطلاق ما دام معلنًا، ولاقه بوجه مكفهر مربد.
والخلاصة: أن الأرجح والأولى النظر إلى المصلحة الشرعية في ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هجر قومًا وترك آخرين لم يهجرهم، مراعاة للمصلحة الشرعية الإسلامية، فهجر كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر، هجرهم خمسين ليلة، حتى تابوا فتاب الله عليهم، ولم يهجر عبد الله بن أبي بن سلول وجماعة من المتهمين بالنفاق؛ لأسباب شرعية دعت إلى ذلك. فالمؤمن ينظر في الأصلح، وهذا لا ينافي بغض الكافر والمبتدع والعاصي في الله سبحانه ومحبة المسلم في الله عز وجل، وعليه أن يراعي المصلحة العامة في ذلك، فإن اقتضت الهجر هجر، وإن اقتضت المصلحة الشرعية الاستمرار في دعوتهم إلى الله عز وجل وعدم هجرهم فعل ذلك، مراعاة لهديه صلى الله عليه وسلم.
من فتاوى الشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
من هم الروافض
الروافض يجمعون أموالًا عظيمة، ويرسلون إلى البلدان شخصًا أو أشخاصًا للدعوة إلى بدعهم الفتوى التاسعة عشرة: سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن الرافضة: هل يعتبرون كفرة؟ وكيف يكون تعامل المسلم معهم، لأنهم كثيرًا ما يظهرون الحقد والبغض لأهل السنة؟
فأجاب فضيلته: الرافضة كغيرهم من أهل البدع، إذا أتوا بما يوجب الكفر صاروا كفارًا، وإذا أتوا بما يوجب الفسق صاروا فساقًا، وإذا كان لشيء من أقوالهم القريبة من أقوال أهل السنة شيء من النظر، وصار محل اجتهاد، فهم فيه كغيرهم، فلا يمكن أن يجاء بجواب عام ويقال: كل الرافضة كفار، وكل الرافضة فساق، لابد من التفصيل والنظر في بدعهم، ويجب علينا أن ندعوهم إلى الحق، وأن نبينه لهم، وإذا كنا نعلم من أي فرقة هم، فعلينا أن نبين عيب هذه الفرقة، ولا نيأس، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل، ربما يهديهم الله على أيدينا، فيحصل لنا خير كثير، والإنسان الذي يهتدي بعد أن كان غير مهتد قد تكون فائدته للمجتمع أكثر وأكبر من الذي كان مهتديًا من الأول؛ لأنه عرف الباطل ورجع عنه، وبينه للناس، فيكون بيانه للناس عن علم
الفتوى العشرون: السؤال: رجل عاش مع الرافضة مدة من الزمن، وبعدها انتقل من عندهم إلى منطقة بعيدة، ولكنه وعدهم أن يزورهم، فهل يجوز له أن يفي بوعده لهم أم لا؟ وهل يجوز أن يسلم عليهم ويقبلهم ويجوز آكل طعامهم وشرب مائهم؟
الجواب: الواجب على الإنسان النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولعامة الناس، هؤلاء الرافضة الذي يسكن معهم يجب عليه أولًا أن يناصحهم، ويبين لهم الحق، ويبين أن ما هم عليه ليس بحق، فإذا عاندوا ولم يتقبلوا الحق فإنه يتركهم ولا يجلس معهم؛ لأنهم مخالفون معاندون، وأما تركهم وما هم عليه من الضلال بدون النصيحة فهذا خلاف هدي النبي ص، وخلاف ما أمر به؛ فإن الواجب النصيحة أولًا، فإن هداهم الله للحق فهذا هو المطلوب، وإن لم يهتدوا وأصروا على ما هم عليه من الضلال فإنه يتركهم، ولا يجلس إليهم، ولا يزورهم إذا أبعد عنهم أو أبعدوا عنه فهو هنا رحمه الله يبين أن الواجب دعوة ونصيحة الرافضة وبيان الحق لهم، وأن تركهم وما هم عليه من الضلال بدون النصيحة خلاف هدي النبي ص وخلاف ما أمر به، وأن الواجب النصيحة أولًا، فإن هداهم الله للحق فهذا هو المطلوب.
الفتوى الحادية والعشرون:
السؤال:فضيلة الشيخ في المناطق التي يكثر فيها الرافضة وقد يدخل بعضهم أحد المساجد فيصلي، فهل ننكر عليه ونخرجه من المسجد؟
الجواب: لا أرى أن تخرجوهم من المسجد؛ بل أرى أن تمكنوهم من المسجد ليصلوا، ولكن يجب عليكم أن تناصحوهم، وأن لا تيأسوا من هداية الله لهم؛ لأن الله عز وجل على كل شي قدير، وقد بلغني أنه -ولله الحمد- بدأ منهم أناس يتحررون من رق مذهبهم ويلتحقون بمذهب أهل السنة والجماعة وهنا يبين رحمه الله ويرشد إلى نصيحة المخالفين، وأن لا نيأس من هدايتهم، فالله على كل شيء قدير، ويبشر الشيخ رحمه الله أن أناسًا من المخالفين يتركون بدعهم ومذاهبهم الفاسدة ويتمسكون بالسنة والحق.
الفتوى الثانية والعشرون: السؤال : سؤال عن الرافضة وهم عندنا ينزلون إلى الأسواق ويصلون في المساجد هل يجوز لنا أن نطردهم من المساجد؟
الجواب: أنا لا أرى أن يطردوا من المسجد؛ بل يتركون يصلون لعل الله أن يهديهم، هم إذا دخلوا المساجد فيما أعرف يصلون مع الناس.وإذا كانوا يصلون وحدهم خلف الجماعة؟ إذن يمنعون من الصلاة خلف الناس، ويقال: صلوا مع الناس، وأما طردهم من المساجد فلا أرى ذلك، وإذا كانوا لا يريدون الصلاة مع الجماعة يقال لهم: انتظروا إذا كنتم لا تريدون الصلاة مع الجماعة، انتظروا حتى يخرج الناس من المسجد وصلوا، مع محاولة أنكم تدعونهم إلى الحق، لا على السبيل الجماعي يمكن ألا يحصل فيه فائدة، لكن تنظرون إلى المهذب منهم الذي عنده وعي وتدعونه إلى بيوتكم وتتكلمون معه بإنصاف وعدل وهنا هذا الإمام الرشيد رحمه الله يفتي في مسألة عارضة وينتهز الفرصة للتوجيه إلى دعوة المخالفين، والرفق واللين في دعوتهم؛ بل ودعوتهم إلى البيوت لاستضافتهم ودعوتهم بالعدل والإنصاف.
الفتوى الثالثة والعشرون: السؤالمن المعلوم -يا شيخ- لديكم أنه يوجد عندنا في المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كثير من الرافضة، ويدرسون معنا في المدارس كلها، فيسأل بعض المدرسين فيقول: هل يجب علي أن أعدل بينهم وبين الطلاب الذين هم من أهل السنة أم أقصر في حقهم ولا أعطيهم حقهم؟
الجواب: أولًا: أعجبني قولك: المدينة النبوية؛ لأن المشهور عند الناس (المنورة) والصواب: المدينة النبوية؛ لأن النور كان من مكة أيضًا قبل أن يكون في المدنية.
ثانيًا: الواجب على المدرس أن يحكم بالعدل، قال الله عز وجل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا)) [النساء:135]، يعني: لا يحملكم بغض قوم على ألا تعدلوا ((اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)) [المائدة:8]، حتى قال العلماء: يجب على القاضي إذا تحاكم إليه خصمان أحدهما مسلم والثاني كافر أن يجلسهم منه مجلسًا واحدًا، لا يقول للمسلم: تعال هنا، والكافر اذهب هناك، يجعلهمًا جميعًا أمامه، وأن يعدل بينهما في الكلام، لا يغلظ الكلام على الكافر ويرفق الكلام للمسلم، لا يقول للمسلم: صبحك الله بالخير، ولا يقول للكافر، بل ليجعلهما سواء في باب المحاكمة؛ لأن هذا هو العدل.
فهؤلاء التلاميذ إذا قدموا أجوبتهم فليغض النظر عن كونه من هؤلاء أو أولئك، وليصحح على ما كان أمامه من قول، إن كان صوابًا فهو صواب وإن خطأ فهو خطأ، كما أنه لا يجوز أن ينظر إذا كان يعرف صاحب الجواب إلى حال الطالب من قبل؛ لأن بعض الناس أو بعض المدرسين يقدر درجات التلاميذ على حسب ما كان يعرفه منهم لا على حسب الجواب، وهذا خطأ وغلط، يجب أن يقدر الدرجات أو الترتيب على حسب ما رفع إليه الجواب النهائي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أقضي بنحو ما أسمع)، وكثيرًا ما يكون الطالب جيدًا فيتوهم في الجواب أو في السؤال، فيفهم السؤال على أنه أراد به السائل كذا، ويجيب على هذا الفهم، أو يتوهم في الجواب يظن جواب هذا السؤال هو كذا وكذا، وهو غلط، مثل أن يجيء في السؤال: كم أقسام الحديث؟ فيظن الطالب أن المراد كم أقسامه من حيث العدد، فيقول: متواتر وعزيز وغريب، ويوهم آخر أن السؤال عن مراتب الحديث من حيث الصحة، فيقول: صحيح وحسن وضعيف، والحسن إما لذاته أو لغيره، والصحيح إما لذاته أو لغيره. المهم: أن الواجب على المدرس إذا قدمت له أوراق إجابة أن يصحح حسب الجواب، بقطع النظر عن المجيب، وكذلك في أثناء التدريس يجب أن يعدل بين التلاميذ مهما كان الأمر، وهو بهذه الطريقة يفتح آفاقًا بعيدة قد لا يدركها؛ لأن الخصم يفهم أنه لم يظلمه، فيرغب فيه ويقول: هذا منصف، هذا عدل، ويجره ذلك إلى أن يألفه ويقبل منه ما يقول.
ننصح إخواننا المدرسين في البلاد التي يختلط فيها أهل السنة وأهل البدعة أن يحاولوا بقدر المستطاع تأليف أهل البدعة وجذبهم إليهم؛ لأن الشباب لين العريكة سهل الانقياد، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم) يعني: شبابهم، يجتذبهم بذلك، لكن لو يعاملهم بالقسوة والآخرين باللين، أو يعاملهم بالتشديد والآخرين بالخفيف، أو يعاملهم بإسقاطهم وهم مجيبون صوابًا، فلا شك أن هذا يولد في قلوبهم بغضًا وكراهة، حتى لو أن الحق كان مع هذا الأستاذ. فهو هنا -ولله دره من فقيه- يوجه المعلم وغيره إلى العدل ولو مع المخالف، وأن هذا باب لترغيبه وتأليف قلبه، وينصح رحمه الله المدرسين الذين عندهم أخلاط من الطلاب أهل سنة وأهل بدع بتأليف قلوبهم وجذبهم إلى نفوسهم، واستغلال مرحلة الشباب عندهم؛ لأن الطالب فيها لين العريكة سهل الانقياد والتأثر، وأن الظلم والقسوة لهم ينفرهم، ويولد البغض والكراهة للمعلم ولو كان الحق معه!
الفتوى الرابعة والعشرون: السؤال:فضيلة الشيخ كثرت الرافضة عندنا في السكن، وأصبح لهم بعض التحرك مع الطلاب الذين يأتون من خارج البلاد، يذهبون معهم إلى الأسواق ويباشرون حوائجهم، ولهم بعض الأنشطة، فما الحل معهم؟
الجواب: إذا كان لهؤلاء نشاط في الدعوة إلى بدعتهم؛ فليكن منكم نشاط أكبر في الدعوة إلى سنتكم؛ لأن الحق إذا قام به أهله فإن الله عز وجل يقول في كتابه: ((بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)) [الأنبياء:18]، لكن كوننا نرى نشاط أهل البدع في بدعتهم ولا سيما البدع الغليظة، ثم نسكت أو نقول ماذا نفعل؟ يعتبر هذا جبنًا، فإذا كان لهم دعوة فلتكن دعوتكم أنتم أكبر وأعظم؛ لأنكم على حق ومأجورون، وأما أهل البدع إذا دعوا إلى بدعتهم فهم آثمون مأزورون، عليهم الويل، وعليهم إثم كل من دعوه إلى هذه البدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة). فأنا أحثكم أن يكون لكم نشاط أعظم، فإذا كانوا يبذلون درهمًا فابذلوا درهمين، وإذا كانوا يأتون إلى هؤلاء في بيوتهم ويدعونهم إلى أن يأتوا إليهم في البيوت فليكن نشاطكم في هذا أكثر وأعظم.وكما قلنا فيما سبق فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعطانا قاعدة نمشي عليها أن نعاملهم بمثل ما يعاملونا به
وهنا يوجه رحمه الله الدعاة أن يبذلوا أضعاف ما يبذل المخالفون لأهل السنة من الدعوة إلى مذاهبهم ونحلهم الباطلة، وأن أهل الحق يثابون في دعوتهم للحق والسنة، كما أن المخالفين والدعاة إلى الباطل آثمون مأزورون في دعوتهم.
الفتوى الحادية عشرة: السؤال: أنا فتاة مسلمة ملتزمة أعمل الخير وأتجنب الشر، إلا أنني لم أقم الصلاة؛ وذلك بسبب الحيرة، حيث إن الناس في العراق منقسمون إلى قسمين: قسم يدعى شيعة، والقسم الآخر يدعى سنة، وصلاة كل منهما تختلف عن الآخر، وكل منهما يدعي أن صلاته هي الأصح، وأنا إن صليت مع القسم الشيعي أو السني فإن الوسوسة لا تفارقني. لهذا أرجو أن تفيدوني عن الصلاة من الوضوء وحتى التسليم.
الجواببسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.. أما بعد:
فأسأل الله لك ولجميع أخواتك في الله التوفيق والهداية، وأوصيك أولًا بلزوم ما عليه أهل السنة والجماعة، وأن يكون الميزان ما قاله الله ورسوله، الميزان هو كتاب الله العظيم القرآن، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه وسيرته عليه الصلاة والسلام، وأهل السنة هم أولى بهذا، وهم الموفقون لهذا الأمر، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، وعند الشيعة أغلاط كثيرة وأخطاء كبيرة، نسأل الله لنا ولهم الهداية حتى يرجعوا إلى الكتاب والسنة، وحتى يدعوا ما عندهم من البدعة، فنوصيك بأن تلزمي ما عليه أهل السنة والجماعة، وأن تستقيمي على ذلك حتى تلقي ربك على طريق السنة والجماعة.
أما ما يتعلق بالصلاة: فالواجب عليك أن تصلي وليس لك أن تدعيها؛ لأنها عمود الإسلام، والركن الثاني من أركانه العظيمة، والصواب ما عليه أهل السنة في الصلاة وغيرها، فعليك أن تصلي كما يصلي أهل السنة، وعليك أن تحذري التساهل في ذلك، فالصلاة عمود الإسلام، وتركها كفر وضلال، فالواجب عليك الحذر من تركها، والواجب عليك وعلى كل مسلم ومسلمة البدار إليها، والمحافظة عليها في أوقاتها، كما قال الله عز وجل: ((حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)) [البقرة:238]، وقال سبحانه: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)) [النور:56]، فعليك أن تعتني بالصلاة، وأن تجتهدي في المحافظة عليها، وأن تنصحي من لديك في ذلك، والله وعد المحافظين بالجنة والكرامة قال عز وجل: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)) [المؤمنون:2] ، ثم عدد صفات عظيمة لأهل الإيمان، ثم ختمها بقوله سبحانه: ((وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) [المؤمنون:11] ، وهذا وعد عظيم من الله عز وجل لأهل الصلاة وأهل الإيمان، وقال عز وجل في سورة المعارج: ((إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ)) [المعارج:23]. ثم عدد صفات عظيمة بعد ذلك، ثم قال سبحانه: ((وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ)) [المعارج:35]فنوصيك بالعناية بالصلاة والمحافظة عليها
الفتوى السابعة عشرة: السؤال :الحكم الشرعي في فتاة شيعية يمنعها المأذون من عقد القران:
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة المكرمة الآنسة ف. ح. ع. وفقها الله لما فيه رضاه، ويسر أمرها وأصلح شأنها آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فقد وصلني كتابك المتضمن الإفادة أنك فتاة تبلغين الثالثة والعشرين من العمر، وأنكِ على مذهب الشيعة أتباع داود بوهراوان ممثل مرجع الطائفة المذكورة المقيم في كينيا، وأنه يمنع مأذون مدينة (ممباسا) من عقد قرانك، ورغبتك في بيان الحكم الشرعي في ذلك.
الجواب
لا ريب أن الواجب على المسئولين في جميع الطوائف المنتسبة للإسلام أن يلتزموا حكم الإسلام في جميع الأمور، وأن يحذروا ما يخالف ذلك، وقد علم من الشريعة الإسلامية أن الواجب على الأولياء تزويج مولياتهم إذا خطبهن الأكفاء؛ لقول الله سبحانه: ((وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) [النور:32]. ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) خرجه الإمام الترمذي وغيره. وبناء على ذلك فإذا زوجك الأقرب من أوليائك على أحد أكفائك، فليس لممثل طائفة البهرة اعتراض عليك، ويكون النكاح بذلك صحيحًا إذا توافرت شروطه، وينبغي أن يكون ذلك بواسطة المحكمة الشرعية في (ممباسا) حتى لا يتأتى لممثل طائفة البهرة اعتراض على النكاح، وإذا صدر النكاح على الوجه المذكور فإن أولادك يكونون أولادًا شرعيين، ليس لطائفة البهرة ولا غيرهم حق في إنكار ذلك.
وإذا امتنع أقاربك من تزويجك على الكفء إرضاء لممثل طائفة البهرة، فإن ولايتهم تبطل بذلك، ويكون للقاضي الشرعي إجراء عقد القران لك على من خطبك من الأكفاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (السلطان ولي من لا ولي له)، والقاضي هو نائب السلطان، فيقوم مقامه في ذلك، والولي العاضل حكمه حكم المعدوم.
هذا ونصيحتي لك ولأمثالك ترك الانتساب لمذهب البهرة أو غيره من مذاهب الشيعة؛ لكونها مذاهب مخالفة للطريقة المحمدية الإسلامية من وجوه كثيرة، فالواجب تركها والانتقال عنها إلى مذهب أهل السنة والجماعة، السائرين على مقتضى الكتاب والسنة، ومنهج سلف الأمة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، وأسأل الله أن يهدي هذه الطائفة وغيرها من الطوائف المنحرفة عن طريق الصواب، وأن يأخذ بأيديهم إلى طريق الحق، وأن يوفقنا وإياك وسائر المسلمين لما فيه النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى الثامنة عشرة: السؤال: ما حكم الله ورسوله في قوم يفعلون الأشياء التالية: يقولون في الأذان: (أشهد أن عليًا ولي الله) و(حي على خير العمل) و(عترة محمد) و(علي خير العتر)، وإذا توفي أحد منهم قام أقرباؤه بذبح شاة يسمونها (العقيقة) ولا يكسرون من عظامها شيئًا، ثم بعد ذلك يقبرون عظامها وفرثها، ويزعمون أن ذلك حسنة ويجب العمل به، فما موقف المسلم الذي على السنة المحمدية وله بهم رابطة نسب؟ هل يجوز له شرعًا أن يوادهم ويكرمهم ويقبل كرامتهم ويتزوج منهم ويزوجهم؟ علمًا بأنهم يجاهرون بعقيدتهم، ويقولون أنهم الفرقة الناجية، وأنهم على الحق ونحن على الباطل؟
الجواب:
«قد بين الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ألفاظ الأذان والإقامة، وقد رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري في النوم الأذان، فعرضه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنها رؤيا حق) وأمره أن يلقيه على بلال؛ لكونه أندى صوتًا منه ليؤذن به، فكان بلال يؤذن بذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله عز وجل، ولم يكن في أذانه شيء من الألفاظ المذكورة في السؤال.
وهكذا عبد الله بن أم مكتوم كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات، ولم يكن في أذانه شيء من هذه الألفاظ، وأحاديث أذان بلال بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة في الصحيحين وغيرهما من كتب أهل السنة، وهكذا أذان أبي محذورة بمكة ليس فيه شيء من هذه الألفاظ، وقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم ألفاظه ولم يعلمه شيئًا من هذه الألفاظ، وألفاظ أذانه ثابتة في صحيح مسلم وغيره من كتب أهل السنة.
وبذلك يعلم أن ذكر هذه الألفاظ في الأذان بدعة يجب تركها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق على صحته، وفي رواية أخرى: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)( خرجه مسلم في صحيحه.. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبة الجمعة: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)، وقد درج خلفاؤه الراشدون ومنهم علي رضي الله عنه وهكذا بقية الصحابة رضي الله عنهم على ما درج عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الأذان، ولم يحدثوا هذه الألفاظ.
وقد أقام علي رضي الله عنه في الكوفة- وهو أمير المؤمنين- قريبًا من خمس سنين، وكان يؤذَّن بين يديه بأذان بلال رضي الله عنه، ولو كانت هذه الألفاظ المذكورة في السؤال موجودة في الأذان لم يخف عليه ذلك؛ لكونه رضي الله عنه من أعلم الصحابة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته، وأما ما يرويه بعض الناس عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول في الأذان: (حي على خير العمل)، فلا أساس له من الصحة، وأما ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما وعن علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنه وعن أبيه أنهما كان يقولان في الأذان: (حي على خير العمل)، فهذا في صحته عنهما نظر، وإن صححه بعض أهل العلم عنهما، لكن ما قد علم من علمهما وفقههما في الدين يوجب التوقف عن القول بصحة ذلك عنهما؛ لأن مثلهما لا يخفى عليه أذان بلال ولا أذان أبي محذورة، وابن عمر رضي الله عنهما قد سمع ذلك وحضره، وعلي بن الحسين رحمه الله من أفقه الناس، فلا ينبغي أن يظن بهما أن يخالفا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلومة المستفيضة في الأذان، ولو فرضنا صحة ذلك عنهما فهو موقوف عليهما، ولا يجوز أن تعارض السنة الصحيحة بأقوالهما ولا أقوال غيرهما؛ لأن السنة هي الحاكمة مع كتاب الله العزيز على جميع الناس، كما قال الله عز وجل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) [النساء:59].
وقد رددنا هذا اللفظ المنقول عنهما وهو عبارة (حي على خير العمل) في الأذان إلى السنة، فلم نجدها فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألفاظ الأذان، وأما قول علي بن الحسين رضي الله عنه فيما روي عنه أنها في الأذان الأول، فهذا يحتمل أنه أراد به الأذان بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما شرع، فإن كان أراد ذلك فقد نسخ بما استقر عليه الأمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعدها من ألفاظ أذان بلال وابن أم مكتوم وأبي محذورة، وليس فيها هذا اللفظ ولا غيره من الألفاظ المذكورة في السؤال.
ثم يقال: إن القول بأن هذه الجملة موجودة في الأذان الأول -إذا حملناه على الأذان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم - غير مسلم به؛ لأن ألفاظ الأذان من حين شرع محفوظة في الأحاديث الصحيحة، وليس فيها هذه الجملة، فعلم بطلانها وأنها بدعة.
ثم يقال أيضًا: علي بن الحسين رضي الله عنه من جملة التابعين، فخبره هذا لو صرح فيه بالرفع فهو في حكم المرسل، والمرسل ليس بحجة عند جماهير أهل العلم، كما نقل ذلك عنهم الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد، هذا لو لم يوجد في السنة الصحيحة ما يخالفه، فكيف وقد وجد في الأحاديث الصحيحة الواردة في صفة الأذان ما يدل على بطلان هذا المرسل وعدم اعتباره. والله الموفق السؤالوأما ما تفعله الطائفة المذكورة إذا توفي أحد منهم قامت قرابته بذبح شاة يسمونها (العقيقة) ولا يكسرون عظمها، ويدفنون عظامها وفرثها، ويزعمون أن ذلك حسنة يجب العمل بها.
الجواب: أن هذا العمل بدعة ولا أساس له في الشريعة الإسلامية، فالواجب تركه والتوبة إلى الله منه كسائر البدع والمعاصي، فإن التوبة إلى الله سبحانه تجب ما قبلها، وهي واجبة من جميع الذنوب والمعاصي ومن جميع البدع، كما قال عز وجل: ((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [النور:31]، وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا)) [التحريم:8]الآية، وإنما العقيقة المشروعة التي جاءت بها السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي ما يذبح عن المولود في يوم سابعه، وهي شاتان عن الذكر وشاة واحدة عن الأنثى، وقد عق النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهما، وصاحبها مخير: إن شاء وزعها لحمًا بين الأقارب والأصحاب والفقراء، وإن شاء طبخها ودعا إليها من شاء من الأقارب والجيران والفقراء، هذه هي العقيقة المشروعة، وهي سنة مؤكدة، ومن تركها فلا إثم عليه. السؤال: ما موقف المسلم الذي على السنة المحمدية وله بهذه الطائفة رابطة نسب؟ هل يوادهم بمعنى يكرمهم ويكرمونه، ويتزوج منهم ويزوجهم، مع العلم بأنهم يجاهرون بعقيدتهم، ويقولون أنهم الفرقة الناجية، وأنهم على الحق ونحن على الباطل؟
فالجواب:
إذا كانت عقيدتهم هي ما تقدم في الأسئلة، مع موافقة أهل السنة في توحيد الله سبحانه وإخلاص العبادة لله وعدم الشرك به؛ لا بأهل البيت ولا بغيرهم، فلا مانع من تزويجهم والتزوج منهم، وأكل ذبائحهم، والمشاركة في ولائمهم، وموادتهم على قدر ما معهم من الحق، وبغضهم على قدر ما معهم من الباطل؛ لأنهم مسلمون قد اقترفوا أشياء من البدع والمعاصي لا تخرجهم من دائرة الإسلام، وتجب نصيحتهم وتوجيههم إلى السنة والحق، وتحذيرهم من البدع والمعاصي، فإن استقاموا وقبلوا النصيحة فالحمد لله، وهذا هو المطلوب، أما إن أصروا على البدع المذكورة في الأسئلة فإنه يجب هجرهم، وعدم المشاركة في ولائمهم حتى يتوبوا إلى الله ويتركوا البدع والمنكرات، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك الأنصاري وصاحبيه لما تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر شرعي. وإذا رأى قريبهم أو مجاورهم أن عدم الهجر أصلح، وأن الاختلاط بهم ونصيحتهم أكثر فائدة في الدين، وأقرب إلى قبولهم الحق، فلا مانع من ترك الهجر؛ لأن المقصود من الهجر هو توجيههم إلى الخير، وإشعارهم بعدم الرضا بما هم عليه من المنكر؛ ليرجعوا عن ذلك، فإذا كان الهجر يضر المصلحة الإسلامية، ويزيدهم تمسكًا بباطلهم ونفرة من أهل الحق؛ كان تركه أصلح، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم هجر عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين، لما كان ترك هجره أصلح للمسلمين، أما إن كانت هذه الطائفة تعبد أهل البيت كعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، أو غيرهم من أهل البيت، بدعائهم والاستغاثة بهم وطلبهم المدد ونحو ذلك، أو كانت تعتقد أنهم يعلمون الغيب، أو نحو ذلك مما يوجب خروجهم من الإسلام، فإنهم والحال ما ذكر لا يجوز مناكحتهم ولا مودتهم، ولا أكل ذبائحهم، بل يجب بغضهم والبراءة منهم حتى يؤمنوا بالله وحده، كما قال الله سبحانه: ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)) [الممتحنة:4].
وقال عز وجل: ((وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)) [المؤمنون:117]، وقال عز وجل: ((ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)) [فاطر:13]، وقال تعالى: ((قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)) [النمل:65]، وقال سبحانه: ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)) [الأنعام:59]الآية، وقال تعالى: ((قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [الأعراف:188].
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا قول الله سبحانه: ((إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) [لقمان:34])، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وهو يدعو لله ندًا دخل النار)، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل: (أي الذنب أعظم؟ فقال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك..) الحديث. وفي صحيح مسلم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله من ذبح لغير الله)، والأحاديث الدالة على وجوب إخلاص العبادة لله وحده، وعلى تحريم الشرك به، وعلى أنه سبحانه مختص بعلم الغيب كثيرة جدًا.
وفيما ذكرناه مقنع وكفاية لطالب الحق إن شاء الله، والله ولي التوفيق، وهو الهادي لمن يشاء إلى سواء السبيل.
أما قول هذه الطائفة: أنهم الفرقة الناجية، وأنهم على الحق وغيرهم على الباطل، فالجواب عنه أن يقال: ليس كل من ادعى شيئًا تسلم له دعواه؛ بل لابد من البرهان الذي يصدق دعواه، كما قال الله سبحانه: ((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)) [البقرة:111]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم..)، الحديث متفق على صحته من حديث عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث أنه قال: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة قيل: من هي يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي).
فهذا الحديث وما جاء في معناه من الأحاديث الصحيحة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: يا رسول الله! من يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) - كلها تدل على أن الفرقة الناجية من هذه الأمة هم المتمسكون في عقيدتهم وأقوالهم وأعمالهم بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
وقد دل كتاب الله الكريم على ما دلت عليه سنة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، من أن الفرقة الناجية هم المتبعون لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والسائرون على نهج أصحابه بإحسان رضي الله عنهم، قال الله عز وجل: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)) [آل عمران:31]، وقال سبحانه: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100]، فهاتان الآيتان الكريمتان دالتان على أن الدليل على حب الله هو اتباع رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في العقيدة والقول والعمل، وعلى أن أتباع أصحابه من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان في العقيدة والقول والعمل هم أهل الجنة والكرامة، وهم الفائزون برضى الله عنهم ورضاهم عنه، ودخولهم في الجنات أبد الآباد، وهذا بحمد الله واضح لا يخفى على من له أدنى مسكة من علم ودين، والله المسئول أن يهدينا وسائر إخواننا المسلمين صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يجعلنا من أتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بإحسان، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين».