عاد شبح التقسيم ليطلّ بوجهه القبيح مجددا على اليمن بعد موجة من الإضطرابات العنيفة التي تشهدها المحافظات الجنوبية الغنية بالنفط منذ مارس الماضي مما ينذر بعواقب وخيمة في ظل مواصلة أجهزة الأمن اليمنية شن حملات الاعتقال ضد قادة التحركات الشعبية الاحتجاجية، وذلك وسط تبادل للاتهامات بين الحزب الحاكم والحزب الاشتراكي المعارض . انتفاضة الجنوب : كانت موجة من الاحتجاجات عمت محافظات عدن ولحج والضالع الجنوبية خلال الأيام الماضية، شارك فيها قدامى ضباط وعناصر الجيش الجنوبي المنحل الذين ترفض السلطات الحاقهم بالجيش بعدما تقدموا للتطوع تلبية لدعوة عامة في هذا الخصوص، وعاطلون عن العمل وناشطون سياسيون.
وطالب المتظاهرون بالافراج عن المعتقلين وسحب تعزيزات الجيش وآلياته التي نشرت في العديد من المدن الجنوبية. وقال بعض الشهود ان مواطنين شماليين يقيمون في الجنوب تعرضوا للاعتداء على ممتلكاتهم. واشتبك المتظاهرون مع قوات الامن واسفرت المواجهات العنيفة بيهما عن إصابة واعتقال المئات خلال الايام الستة الماضية، بينهم عضو اللجنة المركزية في الحزب الاشتراكي علي منصر وعضو مجلس النواب عن الحزب ناصر الخبجي وأحد ابرز قادة الاحتجاجات حسن باعوم. واوضح مصدر في السلطات المحلية في الجنوب ان «اجهزة الامن ما زالت تتعقب مجموعة من المطلوبين بينهم خمسة من الناشطين السياسيين البارزين».
وفي وقت أكّد فيه عضو اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، أحمد عبيد بن دغر، إن المتظاهرين "قاموا بأعمال تخريبية وبالاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وقطع الطريق"، أرجع الأمين العام للحزب الاشتراكي ياسين سعيد نعمان ذلك الحراك الاحتجاجي، لغياب "مشروع الوحدة الطوعي الديموقراطي السلمي"، الذي دمّر في حرب الانفصال، إضافة إلى سياسات الضم والإلحاق.
أسباب تصاعد الاحتقان السياسى والاجتماعى فى الجنوب
1- المشكلة تفاقمت بسبب أزمة الضباط والجنود الجنوبيين الذين اتهموا بالمشاركة في محاولة الانفصال عن الشمال التي أجهضت عام 1994. حيث فرّ معظم هؤلاء إلى المناطق الجبلية الوعرة أو إلى السعودية، ولم يعودوا إلا بعد تلقي ضمانات من الحكومة بإلحاقهم مرة أخرى بالجيش. ولا تزال آثار تلك القضية تتفاعل حتى اليوم، حيث تم التعامل مع جيش الجنوب وكأنه جيش بلد مهزوم، وأحيل مئات الضباط والجنود إلى الاستيداع بالرغم من العفو العام المعلن. كما استبعد قادة الحزب الاشتراكي اليمني، الذي تراه غالبية الجنوبيين ممثلاً لها، عن المشاركة في السلطة، وتحوّل قادته إلى لاجئين في دول الجوار، ثم تمليك الشماليين أراضي في الجنوب.
2- اجبار نحو 60 ألف شخص من الجيش والوظائف العامة في محافظات الجنوب على التقاعد المبكر، الأمر الذي استدعى تأسيس جمعية المتقاعدين التي تبنّت مطالب عودة نحو 70 ألفاً إلى وظائفهم العسكرية والمدنية إثر حرب صيف 1994. ومطالب عودة من خسروا وظائفهم إلى الدعوة إلى "حق تقرير المصير" والمطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال والعودة باليمن إلى دولتين، كما كانت عليه الحال قبل قيام الوحدة اليمنية عام 1990، إلا ان زعماء المعارضة، يرفضون قطعيا شانهم شان الحكومة المطالب الانفصالية للجنوب.
3- الفقر والبطالة المتفشيين بشكل أكبر في الجنوب عن الشمال يعدّان من الأسباب الرئيسية. الشعور بالسخط في الجنوب الذي ينتج ما يصل إلى 80 في المئة من إجمالي إنتاج البلاد من النفط. والجنوبيين يعتادوةا على الاكتفاء براتب الوظيفة فقط في ظل إيجاد خدمات صحية وتعليمية مجانية، ليصبح من الصعب على من فقد وظيفته أن يتلاءم مع وضع آخر.
4- اتهام الجنوب محافظات الشمال بالسيطرة على اقتصاد البلاد والوظائف القيادية في الحكومة منذ توحيد اليمن عام 1990 برئاسة علي عبد الله صالح.
5- فساد السياسات الحكومية ومحاولة للنضال السلمي لنيل الحقوق، فيما يتهم حزب المؤتمر الحاكم المعارضة باستغلال الجو الديموقراطي لممارسات تخريبية ولإدخال البلاد في صراعات وانقسامات من أجل تحقيق أهداف سياسية وانتخابية، بعد الخسارة التي منيت بها أحزاب اللقاء المشترك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة.
اتهامات متبادلة
** في غضون ذلك، أعربت الحكومة اليمنية في أعقاب اجتماعها الأخير عن إدانتها واستنكارها لما وصفته "بالأعمال التخريبية وأحداث الشغب والفوضى" في الجنوب والتي قالت: "إن عناصر تخريبية خارجة عن النظام والقانون اقترفتها في مديرية ردفان الحبيلين بمحافظة لحج وفي مديرية الضالع". وقالت: "إنها أصدرت أوامرها لأجهزة الأمن والعدالة لاتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق مثيري الشغب والفتنة كما أكدت على عدم التهاون مع أي خارج على الدستور والنظام والقانون وأي عابث بالأمن والاستقرار، ومحاولة المساس بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، وإثارة الأحقاد والكراهية، سواء كان حزبا أو فردا أو جماعة".
**وقد اتهم الحزب الاشتراكي اليمني المعارض، في بيان له، الحكومة بالسعي إلى "إرهاب قادة الحركة الاحتجاجية السلمية، والحيلولة دون تحولها إلى أداة فاعلة من أجل التغيير السلمي وبلوغ أهدافها بالوسائل السلمية والديمقراطية". وحمل الحزب الاشتراكي السلطات الأمنية اليمنية المسؤولية "عن كل ما يترتب على حملة الاعتقالات من تداعيات، وطالب بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين، والكف عن ملاحقتهم وإيذائهم بسبب نشاطهم السياسي"