أم الذبيح عضو مميز جدا
عدد الرسائل : 597 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 18/11/2007
| موضوع: وحيـــــــد الثلاثاء سبتمبر 16, 2008 5:16 am | |
| وحيـــــــد -------------------------------------------------------------------------------- كان وحيد يمثل حالة فريدة بالنسبة لي، على الرغم من تشابهنا في كثير من الأمور، حتى في الاسم نفسه، وفي حالة الوحدة التي يعيشها كلانا، إلا أنه لفت انتباهي بصمته المطبق وهدوئه التام، فلم أره يتحدث إلى أي شخص ولو لمرة واحدة ******* كانت غرفته مواجهة لغرفتي على سطح ذلك المبنى نصف المتهدم.. لم تكن حالتي المادية تسمح بأكثر من هذا، وبالتأكيد حالته لم تكن تختلف كثيراً عن حالتي كنت أسعى في البداية إلى الصحبة الآدمية، فمعارفي شبه معدومة، وأصدقائي لا وجود لهم، ولهذا بدا أن الحصول على جار يمكن أن أتحدث معه أو أشاركه أفكاري ليس بالأمر السيئ أبداً وكم من مرة حاولت التحدث معه، ولكنه في كل مرة كان يظل صامتاً، كأنه أصم أبكم، حتى تحيتي له في لقاءاتنا العابرة على السلالم أو على السطح لم يكن يردُّ عليها، ولكنني سمعته مرة يتحدث عبر الهاتف إلى أحدهم.. الذي حدث أنني كنت أحاول أن أجري اتصالاً بأهلي في قريتي الصغيرة، وفي محل البقالة الصغير الكائن على أول الحارة وجدته هناك يتحدث بصوت خافت مع شخص ما على الطرف الآخر، حاولت استراق السمع، ولكنه عندما انتبه إليّ أنهى المكالمة على الفور، ثم هرول بخطوات سريعة في اتجاه المنزل وهنا بدأت بذرة الشك تنبت في أعماقي، بالتأكيد هناك سر يخفيه هذا الفتى، صحيح أنه ليس من حقي الاطلاع على أسرار غيري، ولكن الفضول هو سمة البشر التي صنعت تقدُّم الإنسانية وما كان يفعله وحيد ليلاً زاد من خوفي وذعري.. أصوات الدقّ والصراخ وكأن هناك من يتشاجر معه ******* في تلك الليلة بالذات كان الأمر مختلفاً كنت صاعداً إلى غرفتي في وقت متأخر من الليل، سمعت خطوات تتردد في بئر السلم، وعندما نظرت إلى الأسفل وجدت وحيداً صاعداً وهو في حالة مزرية، كمن تعرض لعمل شاق أو للضرب المبرح كنت في حالة صعبة أنا الآخر، لقد كان يوما شاقاً، وبالتأكيد هيئتي لا تختلف كثيراً عن هيئته، لذا أسرعت إلى غرفتي وأغلقتها عليّ إلا أنني لم أستطع النوم أبداً في تلك الليلة، ظللت أراقب غرفته من خلال زجاج نافذتي المكسور، لم أستطع الرؤية جيداً، ولكنني لاحظت أنه أطفأ نور الغرفة، وأشعل شمعة صغيرة، وراح ظله يذرع الغرفة جيئة وذهاباً وهذا ما زاد من قلقي واضطرابي ناحيته، فوجدت نفسي أنا الآخر أذرع الغرفة مشياً، ونَمَت في عقلي عدة وساوس شيطانية لم أستطع التغلب عليها، لماذا لا يكلم أحداً، لماذا هو وحيد دائماً لا يقبل بالصحبة البشرية، لماذا يعود متأخراً في تلك الهيئة المزرية، هناك شيء ما خطأ، هناك شيء ما.. وعليّ أن أعرفه ******* وقبيل الفجر بدقائق انفتحت غرفته، قبل أن يغادرها بخطوات متثاقلة كأنه يؤدي واجباً ثقيلاً على النفس سأتبعه.. سأتبعه وأصارحه بما يدور في خَلَدي لم أتردد لحظة وأنا أفتح باب حجرتي، قبل أن ترتجف أعصابي مرة أخرى، ماذا لو كان هذا الفتى لا يمتُّ بصلة إلى عالم البشر؟.. فكرة صبيانية.. أليس كذلك؟ حسناً، لقد دارت هذه الفكرة بعقلي في تلك اللحظة، ولكنني سرعان ما طردتها من عقلي، وأنا أتبعه بخطوات متثاقلة بطيئة، وقد أحسست بالعبء النفسي الرهيب يثقل جهازي العصبي وتبعته.. من شارع إلى شارع، ومن زقاق إلى زقاق، كان يدور في دائرة كبيرة، ويعود في كل مرة إلى نقطة البداية، ولم يلتفت مرة واحدة وراءه ليراني في أثره، ولم ألتفت أنا الآخر ورائي؛ لأنني كنت متابعاً لكل خطوة يخطوها، وكل همسة يصدرها من بين أنيابه نتيجة البرد القارس وفي النهاية غيّر مساره وخطا إلى زقاق ضيق كنت أعرف أن نهايته مسدودة وبلا شوارع جانبية.. ولكنني تبعته بإصرار، وفي الزقاق ظللت واجماً لدقائق عدة، وأنا أنظر إلى الزقاق الموحل الممتلئ بأكياس القمامة وروث الحيوانات.. كان الزقاق خالياً تماماً، أين ذهب وحيد هذا؟.. لا أعرف.. لقد اختفى.. إنه... إنه ولم أتوقف ولو للحظة عن الجري، حتى وصلت إلى غرفتي، وهناك التقطت أنفاسي بصعوبة، وظللت أرتجف في رعب حتى بدأت أضواء الصباح الأولى تهلّ، وفي النهاية غلبني الإرهاق والتعب فنمت، وأنا أدعو الله أن يمر اليوم على خير ******* استيقظت ظهراً، وعلى الفور هببت إلى نافذتي؛ لأطالع كابوسي الجاثم على روحي، ولكنني هذه المرة رأيت مشاهد مختلفة، كان صاحب المنزل ومعه اثنان من أبنائه ينظفون الغرفة، ويُخرجون عدة أشياء قديمة مهلهلة من داخلها، لم أستبعد أنها أشياء ذلك الـوحيد، وقد طرده أخيراً صاحب المنزل، ربما عرف ما هو ذلك الشيء.. حسنا لا بد أن أصارحه بما حدث بالأمس خرجت من غرفتي وتوجهت إليه، فبدا التساؤل على وجهه ووجوه معاونيه على السواء تنحنحت بحرج قبل أن أقول: أهي متعلقات وحيد؟ قال صاحب المنزل في استغراب: أي وحيد؟ قلت في سرعة: ذلك الفتى الصموت الذي سكن الغرفة من أسبوع، كان يدعى وحيد قال صاحب المنزل في ترقب: ماذا عنه؟ قلت بنفس السرعة: لقد رأيت أشياء غريبة منه، إنه يعود كل يوم في ساعة متأخرة وفي حالة مزرية، ويغادر في أوقات غير معقولة، ولا يحدِّث أحداً أبداً.. ولقد تبعته بالأمس ولم أستطع أن أكمل حديثي، وأنا أرى علامات الدهشة ترتسم على وجوه الثلاثة، قبل أن يتساءل أحدهم: ومن أين عرفت أن اسمه وحيد؟ فكرت قليلاً وأنا لا أجد إجابة شافية، ولكنني لم أجد أن هذا السؤال له جانب محوري في الأمر قال صاحب المنزل بدهشة: أنا لا أعرف أي وحيد غيرك، ولم يسكن أحد هذه الغرفة منذ سنوات، وأنت هو من يأتي متأخراً ويغادر في أوقات غريبة، وأنت الذي لا ترد التحية عندما تُلقى عليك، أنت تتحدث عن نفسك يا فتى قال أحد أبنائه مصدّقا: الحق هو ما يقول ******* ابتلعت ريقي في صعوبة، قبل أن أتركهم وأعود إلى غرفتي، وهم يضربون كفاً بكف أي لعبة حقيرة تلك التي يلعبونها.. بالتأكيد هنالك مخطط ما يحيكونه ضدّي، عليّ أن آخذ الحذر في الأيام القادمة، وأراقب ذلك الـ: وحيد.. جيداً، وربما يكون رد فعلي عنيفاً في كل الأحوال | |
|