«سنعاني من الركود والبطالة علي الرغم من الخطة المالية» هكذا جاءت تعليقات غالبية أعضاء مجلس النواب والشيوخ لدي تعليقهم علي خطة الإنقاذ التي أعدتها إدارة بوش،
وهو ما يثير تساؤلات عديدة حول تأثير الأزمة الحالية علي اقتصاد أقوي دولة في العالم، وعما إذا كانت الأزمة بالفعل بداية النهاية للهيمنة الأمريكية علي الاقتصاد العالمي، أم أنها مجرد هزة «قوية» عابرة لاقتصاد أقوي دولة في العالم. وللوقوف علي طبيعة الأزمة يجب تناول تأثيرها علي الاقتصاد الأمريكي، ولعل أول تلك التأثيرات هو تراجع التأثير الأمريكي في أسواق المال العالمية، حيث اتجه العديد من الدول لاتخاذ إجراءات وقائية تحاول من خلالها الانفصال عن تأثير الأزمة الأمريكية علي اقتصادياتها،
وهو ما يعد خطوة في اتجاه مخالف تماما للاتجاهات الأمريكية الاقتصادية التي ترغب في استمرار ربط الاقتصاد العالمي بالأمريكي، وزيادة «عولمة الاقتصاد».
ولعل أبرز تلك الإجراءات جاء من خلال كمية الدولارات الكبيرة التي ضختها الدول الأوروبية واليابان في أسواقها للتقليل من سعر صرف الدولار في مواجهة اتجاهه للارتفاع مع المخاوف من عدم قدرة أوروبا واليابان علي اتخاذ إجراءات مماثلة لتلك التي اتخذتها واشنطن لحماية اقتصادياتها.
وتعد تلك الخطوة انفصالا عن المتبع في مثل تلك الأزمات من النقاش بين الدول المختلفة حول الإجراءات التي تحفظ لجميع الدول مصالحها، حيث ظهر واضحا وجود تعارض بين الرغبات والمصالح الأمريكية ونظيرتها الأوروبية، وهو ما أظهر شرخا في التحالفات الاقتصادية الأمريكية الأوروبية.وتكمن أهمية إجراءات «الانفصال» الأوروبية - وإن كانت في مراحلها الأولي - في أنها تحد من قدرة الولايات المتحدة علي التأثير في الاقتصاد العالمي، وإن بقيت القدرة الأمريكية كبيرة في هذا الشأن إلا أنها ستفقد بعض مقوماتها.
كما سيعاني القطاع المصرفي في الولايات المتحدة من العديد من أوجه الصعوبات، لعل أبرزها دفعه إلي الانكماش في حالة زيادة الإجراءات الحكومية في مجال منح القروض لتجنب تكرار الأزمة الحالية، كما سيعاني القطاع المصرفي من انهيار العديد من مؤسساته، وعلي الرغم من أن تلك الانهيارت قد يتم معالجتها من خلال الاندماجات بين المؤسسات المصرفية المختلفة، إلا أن تلك الاندماجات ستنتج مؤسسات مالية ضعيفة ومحملة بالأعباء المالية الشديدة.
وتبرز أهمية ما سيعانيه القطاع المصرفي الأمريكي في أنه القطاع الأكثر حيوية في دفع الاقتصاد للنمو، من خلال توفيره السيولة اللازمة لتقدم الاقتصاد، وهو ما يؤدي في النهاية إلي تراجع الاقتصاد الأمريكي، لاسيما مع ما يعانيه القطاع العقاري «الحيوي» من أزمة شديدة في واشنطن. وعلي الرغم من ذلك فإن الاقتصاد الأمريكي سيبقي الأقوي في العالم نظرا لوجود العديد من المؤشرات التي تدعم استمراره في موقعه هذا، لاسيما من خلال سيطرة واشنطن علي ٤٠% من التجارة العالمية، واستحواذها علي ٢٥% من الناتج العالمي الإجمالي،
هذا فضلا عن العديد من المؤشرات التي تؤكد أن إطلاق لفظ «الانهيار» علي ما حدث في الأسواق الأمريكية مبالغ فيه، وأن ما يحدث هو أزمة «شديدة» يمر بها الاقتصاد الأمريكي، وسيعاني منها لسنوات، وإذا لم يتم التعامل معها بالطرق المناسبة فإن الاقتصاد الأمريكي سيكون -حينها- مهددا بالانهيار