إذا أردت أن ترى التواضع يرتدى زى العلماء، فاسع إلى زيارة مركز القلب بمستشفى أسوان، علك تصادف الدكتور مجدى يعقوب، جراح القلب الشهير، وهو خارج من غرفة العمليات أو غرفة العناية المركزة، لن تراه بمفرده، ولكنك سترى نظرات الشكر الممزوج بالرجاء فى عيون المرضى وذويهم لهذا الإنسان الذى لا يكل ولا يمل من العمل التطوعى لكل البشر، حتى ولو دام لمعظم ساعات اليوم، راضياً بأربع أو خمس ساعات من النوم يستعيد فيها قوته. فى «المصرى اليوم» كان موعده معنا فى ندوة شرفنا بها، هادئ القسمات خفيض الصوت مبتسماً فى وجه كل من يقابله، لا يخفى فضولاً لمعرفة المزيد عن الجريدة، مبدياً إعجابا بما حققته فى سنوات عمر قليلة لا تمثل شيئاً فى تاريخ الصحف، يجلس متحدثاً عن انتمائه لمصر وعدم صحة ما يُقال عن أنه غاب عنها سنوات لغضبه منها، مؤكداً أن السبب الحقيقى فى الغياب كان رغبته فى تحقيق ذاته ليكون له تأثير يمنحه فرصة التغيير. على مدار ما يقرب من ساعتين تحدث الدكتور مجدى يعقوب عن الجديد فى عالم جراحة القلب، وأوجاعها، ورأيه فى سبب تأخر مستوى دارسى الطب فى مصر، رغم حصولهم على أكبر كم من المعلومات مقارنة بغيرهم فى الدول الأخرى، مشيراً إلى أن السنوات المقبلة ستشهد تراجع جراحات القلب المفتوح، لكنها ستظل معتمدة فى عالم الطب حتى الوصول لبديل نهائى لها، ويبهرك بتواضعه الذى يراه أهم أسس التقدم العلمى، فيقول إنه يرفض فكرة كتابة مذكراته التى تعنى تخليه عن قراءة ما يقرب من ١٠ أبحاث علمية، وإجراء نحو ١٥٠ عملية جراحية، مؤكداً أنه بشر ينفعل ويغضب، لكن لأسباب أهمها عدم الكمال، خاصة من المسؤولين، فإليكم تفاصيل ندوة الدكتور مجدى يعقوب، جراح القلب الشهير فى مقر جريدة «المصرى اليوم»: ■ يميز الهدوء الشديد حديثك وسلوكياتك بصفة عامة، هل السبب فى ذلك يعود لطبيعتك الخاصة أم لطبيعة مهنتك كجراح؟ - لكلتيهما الفضل، فعندما كنت طفلاً كنت صامتاً أغلب الوقت، حتى ظنت أسرتى أن بى عيباً خلقياً، وسمعتهم يقولون إننى لست طبيعياً، وأعلنوا عن عزمهم الذهاب بى للمستشفى للكشف علىّ، فخفت جدا وتكلمت، وسألتهم عما يريدون أن أقوله، فأدركوا أننى هادئ بطبيعتى، أكون بعيداً عن المنزل على عكس الأطفال، وفى المدرسة كنت دوماً من أوائل الدفعة، لكن كان المدرسون يشكون فى درجاتى النهائية التى أحصل عليها، بسبب طول فترات صمتى، بالإضافة إلى طبيعتى الهادئة، أما الجزء المهنى فى صمتى وهدوئى، فقد أدركت منذ بداياتى الأولى فى عالم الطب أن الجراحين الذين يتعاملون بصوت عال يفقدون السيطرة فى غرفة العمليات، فالجراح الهادئ هو القادر على تحقيق النجاح فى العمليات التى يجريها، بينما الضجيج والصوت العالى والانفعال لا تتناسب وطبيعة غرفة العمليات، وما تحتاجه من احترام سواء للمريض أو لفريق العمل، لكننى، كأى إنسان أحيانا، أغضب وأتعصب، وهى حالة تنتابنى عندما أرى الإهمال، وعدم النظام، خاصة لو صدرا عن مسؤول. ■ يردد البعض أن السبب فى اتجاهك إلى عالم جراحة القلب هو حادث وفاة عمتك نتيجة إصابتها بضيق فى الصمامات وأنت طفل فى السابعة من عمرك، ما حقيقة ذلك؟ - من الصعب القول بأن هذا الموقف هو السبب الوحيد فى اتجاهى إلى دراسة الطب، وتحديداً تخصص جراحة القلب، ما حدث أن عمتى ماتت وهى فى العشرينيات بسبب ضيق فى الصمامات، وأذكر أن أبى- وكان طبيباً جراحاً- قد حزن بشدة، فقلت له كى أخرجه من الأزمة إننى سأصبح جراح قلب، هذه الواقعة تمثل فى حياتى حالة من الأسطورة التى بدأت فى الطفولة، لكن هناك الكثير من التوابع التى جعلتنى أتيقن أن جراحة القلب هى مصيرى. ■ عودتك إلى مصر لا تقتصر على فكرة الرجوع إلى الوطن، لكنك أنشأت مركزاً لجراحات القلب فى مستشفى أسوان، تسعى لأن يصبح فى السنوات المقبلة مركزاً عالمياً بكل ما تعنيه الكلمة، فما دوافعك لإتمام هذا المشروع؟ - هناك الكثير من الدوافع وراء هذه الفكرة، أولها إحساسى بالدين تجاه مصر التى نشأت فيها ولها دين فى رقبتى، والوطن لا يعنى الأرض فقط، لكن الناس أيضاً، وقد اخترت أسوان لأقيم فيها المشروع لأننى عشت فيها سنة من عمرى فى صباى مع والدى، كما أنها تمتاز بموقعها الرائع وتاريخها المميز، إلى جانب أنها لاتزال تتمتع بالهدوء الذى كان يميز مصر فى الماضى، وكان يحزننى أن أرى الناس مضطرين للسفر للقاهرة للعلاج لعدم وجود الإمكانيات فيها، وجاء المشروع ليؤكد صحة رؤيتى، وبعد أن بدأت خطوات المشروع، تحدثت عنه فى بعض المجلات العلمية العالمية، فسألنى البعض عما تمثله لى أسوان، فأجبتهم بأنها مركز إلهامى، وقلت لهم «اذهبوا هناك وشاهدوا بأنفسكم»، لكن الشىء الأهم فى المشروع هو رغبتى فى خدمة المواطنين هناك، ومن شدة إيمانى بالمشروع قال لى زملائى فى الخارج عندما سمعوا عنه: «سنأتى معك»، فقلت لهم: «موافق، لكن الناس هناك محتاجون، فلن تجنوا أى عائد مادى»، فقبلوا الفكرة. ■ سنوات طويلة بين خروجك من مصر وعودتك.. ألم تخف من أن تتسبب التعقيدات البيروقراطية، التى أدت إلى خروجك، فى تعطيل مشروعك؟ - خروجى من مصر تسبب فيه الكثير من العوامل التى يبالغ البعض فيها، لكن مقومات العودة كانت على أساس أن هناك اكتشافات طبية رائعة يعرفها العالم ويطبقها، وشعرت أنه من حق وطنى علىّ أن أعود ليستفيد من هذه الاكتشافات كل المواطنين الذين ساهموا بشكل غير مباشر فى وجودى، ودراستى، وبالتبعية ما وصلت له وحققته، نعم فى الماضى كان هناك الكثير من البيروقراطية، لكن منذ عودتى لاحظت أن الحكومة تمد يد العون لإتمام المشروع لخدمة كل المصريين، ولا أنفى وجود بعض العوائق، وهذا أمر طبيعى فى كل نظم العالم، لكن كان هدف إتمام المشروع أهم من كل المعوقات. ■ كثيراً ما يتهم الطبيب المصرى بنقص التدريب والخبرة عن مثيله فى الخارج، فى اعتقادك لماذا؟ - المشكلة الحقيقية تتمثل فى أسلوب تدريس الطب فى مصر، فنظام التعليم يقوم على وجود أستاذ عليه التدريس للطلبة ومنحهم كل ما لديه من معلومات من خلال كتاب أو مذكرات، ثم الامتحان فيها آخر العام، بينما أهم شىء فى العلم بوجه عام، والطب بصفة خاصة، هو الاعتماد على الذات فى البحث العلمى، والضمير الحى، لأن الطب مهنة تتعامل مع آلام الناس وأوجاعهم، ودعونى أقدم مثالاً لما يحدث فى كليات الطب فى الخارج، فعندما بدأت ابنتى دراسة الطب فى جامعة «هارفارد» طلبوا منها فى أول يوم فى الكلية أن ترتدى البالطو الأبيض، وتذهب للمستشفى وتلتقى المرضى، وتقدم لهم يد المساعدة فى أى شىء يطلبونه، حتى لو كان شراء جريدة، أو قضاء بعض الوقت والتحدث معهم، مبررين هذا الفعل بأنها ستقضى حياتها فى مساعدة هؤلاء المرضى، وعلاجهم، بعد ذلك طلبوا منها إجراء بحث عن مرض وراثى فى الرئة، وذكر أسبابه، وتأثير الجينات فى الإصابة به، وكيفية التعامل معه، ورأيها الخاص فى الموضوع بعد الانتهاء منه، وهكذا علمت نفسها، وتعلمت إبداء رأيها، ثم طلبوا منها السفر إلى جامايكا ضمن بعثة لإجراء بحث عن أمراض الأطفال هناك، وهكذا، فالطبيب فى الخارج يتعلم منذ اللحظة الأولى الكثير من الأمور الأساسية التى تبدأ بالتعامل مع المرضى، والإحساس بهم، ثم تعلم كيفية البحث عن المعلومة، وإبداء الرأى للخروج بمفهوم جديد، ثم مساعدة الآخرين أيا كان موقعهم فى العالم، وحتى لو كان ذلك دون مقابل. ■ بمناسبة الحديث عن الطب فى العالم وفى مصر، ما تقييمك لمستوى الخدمة الصحية التى تقدم هنا؟ - من الصعب التعليق لأننى غير ملم بكل شىء، لكن عموما تقديم الخدمة الصحية فى كل دول العالم شىء صعب وليس بالأمر السهل، ومؤخرا كانت هناك مناقشات كثيرة فى أمريكا حول الإصلاحات التى يعتزم إجراءها الرئيس باراك أوباما فى نظام التأمين الصحى، أمريكا نفسها ما زالت تتحدث عن إصلاحات فى تقديم الخدمة الصحية، فما بالنا بمصر! أنا أعتقد أنه ليس من الإنصاف أن نحمل الحكومة وحدها مسؤولية الخدمة الصحية، رغم أن هذا واجبها، لكن يجب أن يعلم الجميع أن هذه الخدمة مسؤولية جماعية تخص كل المجتمع، وتبدأ بالحفاظ على الذات، وممارسة سلوكيات صحية للوقاية من الأمراض، وعلى المسؤولين أن يدركوا أهمية دورهم فى تقديم خدمة صحية مميزة للمرضى، خاصة المحتاجين منهم، فمقياس الحضارة اليوم هو ما يقدم للشعوب من خدمات بتساو وعدالة. ■ هل تعتقد أن الطبيب الذى يفتقر للعدالة فى راتبه، والنقص فى برامج التدريب المؤهلة له بعد التخرج، قادر على تقديم خدمة صحية تتسم بالعدالة والتساوى؟ - كما قلت إن الطب مهنة إنسانية فى المقام الأول، ويجب فى البداية أن يكون هناك قواعد لتعلم ممارستها أيا كان المقابل، أما فيما يتعلق بالتدريب فهناك نقص شديد فى مصر، وقد لمست هذا بنفسى، فالأطباء والعاملون فى التمريض تنقصهم برامج التدريب التى تؤهلهم للتطور بعد التخرج، وأعلم أن الحكومة، ونقابة الأطباء تحاولان فى هذا المجال، لكن مصر بحاجة إلى نظام كامل ومتكامل فى هذا المجال، وقد قررنا فى مركز القلب فى أسوان أن نعقد فى يناير المقبل مؤتمراً لمدة ٣ أيام لتدريب عدد من الأطباء، وطاقم التمريض على كيفية تقديم العلم، والخدمة الطبية للمرضى، وسنحرص على تنظيم حلقات تدريبية تبدأ بأمراض الصمامات، وسنعرض فى اليوم الأول آخر ما وصل إليه العالم فى علاج هذه الجزئية، كما سنعرض فيلماًَ أنتجته شركة «ميكى ماوس» بنظام المحاكاة لتوضيح كيفية استخدام الأجهزة الحديثة، وفى اليوم الثانى سنعرض آخر ما وصل إليه العلم من أبحاث فى تأثير الجينات على أمراض صمامات القلب، وكيفية عمل صمام من الخلايا الجذعية، وفى اليوم الثالث سننقل صورة حية أثناء إجراء بعض العمليات فى مركز القلب بأسوان. ■ هل يختلف القلب المصرى عن أى قلب فى العالم؟ - كل القلوب مثل بعضها، لكن لكل قلب شخصية متفردة، وكل الأبحاث العالمية تشير إلى ذلك، لكن أمراض القلب فى مصر أعلى بنسبة كبيرة عن مثيلاتها فى دول العالم، والسبب فى ذلك يعود إلى أننا لم نكتشف كل الجينات التى تتحكم فى أمراض القلب بين المصريين، بالإضافة إلى التأخر فى علاج التشوهات الخلقية فى القلب منذ الطفولة، كما أن نسبة الإصابة بالحمى الروماتيزمية مرتفعة هنا بشكل غير طبيعى، ويدعم كل هذا السلوكيات الصحية والغذائية الخاطئة للمصريين، وعدم ممارسة الرياضة، والأبحاث تشير إلى أن مصر وروسيا من أعلى معدلات الإصابة بأمراض القلب فى العالم، ونحن بحاجة لإجراء المزيد من الأبحاث لعلاج هذه الظاهرة. ■ وماذا عن البيئة المصرية والتلوث الذى يميزها، ألا يساهمان فى زيادة معدلات الإصابة بأمراض القلب؟ - بدون شك، وهما من أهم أسباب الإصابة بأمراض القلب، لأن التلوث عالٍ جداً هنا بسبب عوادم السيارات، والمصانع، والزحام، والتدخين، كل هذا له مفعول كبير على الشرايين، وعضلة القلب، وكلما أمكن يجب الخروج عن حدود القاهرة وتقليل استخدام السيارات. ■ من العدو الأول للقلب؟ - من الصعب تحديد العدو الأول للقلب، فنصف أسباب الإصابة يعود للجينات، ونصفها الآخر للبيئة والعادات السيئة، فقد ثبت أن الرياضة والسلوكيات الغذائية الصحيحة والبيئة من جانب، والجينات من جانب آخر تحدد نسبة الإصابة بأمراض القلب، فإذا كان الإنسان لديه استعداد وراثى للإصابة، ويمارس عادات صحية خاطئة، فهنا تتضاعف فرص إصابته، والعكس صحيح، وكما أننا نطالب بالاهتمام بالسلوكيات لحماية القلب، فإن العلم قدم لنا علاجاً عن طريق الجينات، يعتمد على معرفة الخريطة الجينية الخاصة بكل إنسان لتحديد أفضل علاج له، وهو ما يعرف الآن بـ «شخصنة العلاج»، أى تصميم علاج لكل مريض على حدة حسب حالته، وعموماً فإن أعداء القلب كثيرون، لكن المهم أن تعرف العدو لتتعلم كيف تتعامل معه. ■ هل يمكن أن تشرح لنا بعضاً من هذه السلوكيات الصحيحة، من خلال استعراض لبرنامجك اليومى كطبيب وجراح قلب؟ - لست بالشخص المثالى فى التعامل مع صحتى، خاصة أن ظروف عملى قد تضطرنى للعمل ساعات طويلة، والنوم فترات قصيرة قد لا تتجاوز ٤ أو ٥ ساعات، لكننى أحرص على ممارسة السباحة يومياً صيفاً وشتاءً فى أى مكان أتواجد فيه، وأعانى من الضغط العالى، لذلك أتحاشى الكوليسترول وذلك بتناول اللحم مرة فى الأسبوع، وأُكْثر من تناول الأسماك والخضر، ولأن القلب عضو مهم ومعقد فى جسد الإنسان، فجزء من برنامجى اليومى مخصص لقراءة أحدث الأبحاث فى هذا المجال، خاصة أنه من المعروف أن المعرفة العلمية تتضاعف كل عامين على الأقل، لذا أحرص على قراءة المجلات العلمية لمدة ساعتين كل صباح على شبكة الإنترنت، لملاحقة كل جديد فى العلم، خاصة فى جراحة القلب. ■ فى عام ٢٠٠٦ أعلنت عن تعاون مع العالم المصرى الدكتور أحمد زويل، الحاصل على جائزة نوبل فى الكيمياء، لإجراء أبحاث على استخدام تقنية «النانوتكنولوجى» فى جراحات القلب، ما الذى تم فى هذا الأمر؟ - لم نبدأ المشروع للأسف حتى الآن، والنانوتكنولوجى علم ضخم جداً، والدكتور زويل يعمل فيه، ومازال يسعى لاكتشاف المزيد، لكننا نركز الآن على علم «الهندسة النسيجية»، لأن ما نراه أن أعضاء الخلايا الحية لديها وظائف غير محدودة، وكل خلية صغيرة جداً فيها آلاف الجزيئات التى تتفاعل مع بعضها من أجل خدمة النسيج، والنسيج يخدم العضو، والعضو يخدم الإنسان، صحيح أننا لم نصل إلى عمل قلب كامل، لكن ما يحدث أننا نحضر خلايا جذعية بتقنية النانوتكنولوجى، واكتشفنا أن هناك لغة بين الخلايا وبعضها، توصلنا لهذه اللغة التى تتحدث بها الجزيئات والأسمنت الذى يربط بينها، وكنا نظن أن هذا الأسمنت صامت، لكن اكتشفنا عبر الأبحاث أن هناك لغة وحواراً بين الخلايا والأسمنت، والحقيقة أن هناك الكثير من الاكتشافات اليومية التى يقدمها العلم، ومن الخطأ القول إننا اكتشفنا كل شىء، فما زلنا فى مرحلة البحث والتجريب دون مبالغة فيما تم التوصل إليه، فهى مجرد أبحاث لا يمكن إخضاعها للتطبيق، إلا بعد إخضاعها للتجريب لمدة طويلة، لكنها سوف تغير الكثير من الملامح فى المستقبل، وأشير هنا إلى جزئية مهمة يعلمها الغرب ونغفلها نحن، هى أن البحث العلمى لا يقل أهمية عن العمل اليدوى الذى يؤديه الجراح، أو المهندس، أو الطبيب، أو المدرس. ■ كيف يكون إحساسك بالخالق وأنت فى غرفة العمليات، أو أثناء تكشف كل الحقائق العلمية أمامك؟ - إحساس عميق بالاحترام، البعض يقول إن العلم لا علاقة له بالدين، وهذا غير صحيح، فالدين والعلم يرسخان مبدأ الاحترام تجاه الخالق، وأكون أثناء العمليات فى حالة من التركيز الشديد تجاه كل شىء، وأتعامل مع ما يجرى بشكل منطقى، رغم أننى روحانى النزعة. ■ أثناء مناقشة قانون نقل وزراعة الأعضاء فى مجلسى الشعب والشورى، طالب البعض بوجود ضمانات لمنع نقل الأعضاء بين المسيحيين والمسلمين، ما رأيك فى هذا المطلب؟ - لكل قلب نوع النسيج الخاص به، تماما كفصيلة الدم قد تختلف من شعب إلى آخر، ومن منطقة لأخرى، وقبل نقل الأعضاء يجب التعرف على هذه الجزئية، لكن لا علاقة لهذا بديانة الإنسان. ■ إلى أى مدى تتراجع عمليات القلب المفتوح أمام تقنيات العلم الحديث فيما يتعلق بجراحات القلب؟ - أتوقع اختفاء عمليات القلب المفتوح خلال ١٠٠ سنة، لكن لا نستطيع تجاهلها الآن لأنها تنقذ آلاف البشر من الموت، ولا أريد فتح صدر أى إنسان إذا كان من الممكن إجراء العملية بتقنية أخرى، بشرط أن تكون هذه التقنية مضمونة ١٠٠%، وإلا فلا داعى لها. ■ هل هناك دول معينة متقدمة فى جراحات القلب تنصح المرضى بالتوجه إليها؟ - جراحات القلب متقدمة بنسب متساوية فى أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية، وأستراليا، وهناك متخصصون فى هذه الدول تميزوا فى تخصصاتهم، لكن ما يحكمنا الآن فى عالم جراحات القلب هو أننا جميعاً نريد خدمة البشرية، ولا يحكمنا مبدأ التنافس، والحقيقة المؤكدة أن علماء وجراحى القلب فى الدول المتقدمة يتعلمون من بعضهم البعض. ■ ما الذى تركته خلفك من عادات عند سفرك؟ - لا أستطيع تحديد شىء معين، لكن الأمر المؤكد أننى دربت نفسى على المثابرة والعمل المتواصل، ففى بريطانيا أدركت أنه لا مكان كبيراً للحظ والمصادفة، فقط العمل المتواصل بجد هو الأساس فى تحقيق الهدف، وأحب أن أقول إنه عندما خرجت من مصر ظللت فترة طويلة لا أفكر فى العودة، ليس لأننى غاضب منها، لكن لأننى حددت هدفاً كنت مصراً على تحقيقه بالعمل ليلاً ونهاراً، وهو أن أكون مؤثراً فى مجالى، وعندما حققت هذا الهدف بمستوى معين رجعت، وهو أمر أنصح به كل الشباب أن يكونوا مبتكرين، والابتكار يعنى أن تنتج شيئاً من لا شىء، وتتوافر فيه ٣ مواصفات هى الجمال، والتنظيم، والتأثير، ولن يحدث هذا إلا بإخراج عقولنا من الصندوق للبحث عن كل جديد، مع ضرورة التحلى بالتواضع العلمى الذى يتيح مواصلة البحث ونقده فى الوقت ذاته لاكتشاف ما به من نقص. ■ كم عملية قلب أجريتها فى حياتك المهنية؟ - نحو ٢٥ ألف عملية، ورغم كثرة العدد فإن شعورى فى كل جراحة لا يتغير، وهو الاحترام للمريض، وحالته، ودراستها بشكل منفصل عن غيرها، حتى لو تشابهت مع غيرها من الحالات. ■ ألا تفكر فى إصدار كتاب تسجل فيه رحلتك فى الحياة؟ - لا، لأن ذلك يشغلنى عما أقوم به من مهام، وكل دقيقة محسوبة فى عمرى، الكتاب يعطلنى عن قراءة ١٠ أبحاث علمية، وإجراء نحو ١٥٠ عملية جراحية لمرضى بحاجة للمساعدة، ولن أضحى بكل هذا من أجل كتاب. |