2- ما هي الصورة التي بنيتها في مخيلتك لياسر عرفات قبل لقائك الاول به؟
-كان عمري خمس سنوات عندما سمعت اسمه، وكنت مختبئة مع العائلة في احد الملاجىء في نابلس، وكنا نسمع الطلقات النارية والصرخات البشرية، كان موشيه دايان يقتحم نابلس، والناس تصرخ «سلم نفسك يا ابو عمار».
3- كيف كان اللقاء الاول؟
-شعرت بالرهبة والخوف، فقليلون هم الرجال الذين يملكون الجاذبية وهيبة السلطة مثله، ولكنني شعرت ايضاً بطيبته وحسن استقباله لنا، انا ووالدتي واخوتي، وهو قال لي لاحقاً لقد احببتك من اول نظرة.
4- وانت من احببت رجل السلطة والنضال، ام الانسان؟
-انت تتحدثين عن شخص واحد هو ابو عمار، لقد كنت مشدودة في البدء الى قائد الثورة الى رمز القضية، الى ذلك الرجل المؤتمن على حلم شعب بكامله، وبعد معرفتي به، احببت فيه الشهامة والبطولة. والرجولة والعقل الراجح، احببت عطفه وحنانه ورومانسيته.
احببته لانني وجدت فيه قائداً لا يفرط بحقوق شعبه، ولا يهادن عدوه، انا فخورة بأن اكون زوجة من وضع القضية الفلسطينية على الخارطة السياسية العالمية. ذلك الذي اطلق العلم والنشيد الوطني الفلسطيني. لقد امضيت مع ابو عمار 20 عاماً مليئة بالاحلام والاهداف والحقوق والمآسي، لقد عاش ابو عمار شاهقاً كالرمح ومات كذلك، سرقني ابو عمار وانا فتاة شابة حالمة، اخذني الى عالمه المليء بالعنفوان والثورة والايمان بالله والوطن.
والواقع انني شعرت انه بحاجة الى امرأة الى جانبه تهتم به، وانا لم اغير في ابو عمار شيء، بل هو الذي غيرني وقلب حياتي رأساً على عقب، عندما تزوجت ابو عمار كانت اعلم ما انه مقبلة عليه، كنت اعلم ان حبيبته الاولى هي فلسطين وعاصمتها القدس الشريف. بل شرف لي انني كنت الحبيبة الثانية بعد فلسطين.
4- تقولين ان ابو عمار كان رومانسيا..؟
- نعم.. نعم، من يعرف ابو عمار عن قرب كان يعرف انه انسان ودود يهوى الشعر، والموسيقى وفيروز واغنية زهرة المدائن، كان عطوفا منتبها لأدق تفاصيل حياتي عندما تسنح له الفرصة والوقت.. وهو ايضا رقيق وشفاف تبكيه معاناة الارامل والاطفال من ابناء شعبه، ويؤرقه حرمانهم من ابسط حقوق الانسان.
5- ماذا عن الذي قرأناه حول خلافات زوجية وجفاء بينك وبين ابو عمار؟
- لقد فوجئت ولم يفاجأ ابو عمر بالهجمة الاعلامية الاسرائيلية الغربية، والعربية الى حد ما على عائلة ابو عمار، وكان يقول لي :«يا سهى انت لست المقصودة، بل انا، فهم يريدون اغتيال شخصيتي وحياتي الخاصة لانهم لا يستطيعون قتلي، وانا لو تزوجت قديسة فهي ستنال نفس المصير». كان يردد رحمه الله :«المقصود هو انا والقضية، لا تزعلي، ويا جبل ما يهزك ريح، المهم انا اعرف من انت». واذكر جيدا انه كان يكرر لو غسلت هذه المجلات والجرائد لزالت حبرا اسودا. لقد عشت مع ابو عمار حياة مليئة بالمفاجآت والتكهنات والظروف الصعبة وكذلك الظلم، وكان اشدها طبعا من ذوي القربى، الذين ظلموني في حياته وبعد مماته.
6- ماذا عن التقارير الصحفية التي تحدثت عن الثروة التي تركها لك ابو عمار؟وكم منزلا تمتلكين؟
- نعم لقد ترك لي ابو عمار اكبر ثروة هي ابنتي زهوة، وتاريخه الحافل المحفور في قلب وعقل كل فلسطيني ومحب للحرية. ولم يترك لي ابو عمار ولا لزهوة لا منزلا ولا ثروة، واحيانا عندما تشتد صعاب الحياة علينا، اغضب وابكي واترحم عليه.
7- لماذا تعيشين في مالطا؟
- بعد ان تركنا تونس، جئت مع والدتي وزهوة لزيارة شقيقي، واعجبت بهذا البلد الشرقي الطابع، العربي الهوا، وزهوت احبت الحياة في هذا البلد الصغير المضياف في كنف العائلة.
8- زهوة تشبه والدها، فهل ورثت طباعه ايضا؟
- هي مثله في عنادها واحساسها، وحبها للموسيقى، وهي ايضا دؤوبة وتهتم بالتفاصيل.
9- ما هي وصية ابو عمار لزهوة؟
- كان يوصيها دوما بالقضية الفلسطينية ويحدثها عنها، يحدثها عن اطفال فلسطين، يوصيها بقراءة القرآن وتعلم اللغة العربية.
10- هل تنفذ زهوة وصية الوالد؟
زهوة مؤمنة ولقد زارت مكة المكرمة معي وادت فريضة العمرة، وهي تقرأ وتكتب وتتحدث اللغة العربية بطلاقة، وكأي فتاة فلسطينية، تتابع اخبار فلسطين، خلال حرب غزة جمعت المال من اصدقائها، وبعثت بالمساعدات لاطفال غزة. وانا من جهتي اردد على مسمعها دوما مسيرة حياة والدها، واقول لها ان والدها كان يردد دوما ما اوصاني به في اخر ايامه، ان الثوابت لا يمكن التخلي عنها، القدس واللاجئين.. كان يقول لي، قولي لزهوة.. :«يا سهى ان اسرائيل لا تريد السلام وهذا صراع الاجيال، وانا بعيد عنها لانني لا اريد ان تقول زهوة ورفاق جيلها انني تخليت عن الثوابت.
وخنت القضية، انا اعلم ان التاريخ سينصفني»
11- كيف كانت علاقة زهوة بوالدها؟
- كانت علاقة حلوة وعاطفية جدا، خاصة وان مشاغله كانت تأخذه، كانت تنام بيننا في الكثير من الاوقات، وكان عندما يدخل المنزل يقول اين امي، يعني ابنته زهوة التي تحمل اسم والدته، كان يصر على اطعامها العسل، علمها استعمال المسدس، والصلاة معه، كان يفخر انها تشبه والدته، يقول: «هي بيضاء اللون وجسمها نحيل وطويل مثل عائلتك يا سهى ولكن ملامحها تشبه والدتي». وعندما تركنا غزة كان يحاول التحدث معها يوميا عبر الهاتف اينما كان.
12- هل تتحدث زهوة كثيرا عن والدها؟
- لا تتحدث عنه امام الناس، ولكنها تمطرني بالاسئلة عنه، تقرأ عنه بالكتب وعلى صفحات الانترنت، ويؤلمها مشاهدة احداث فلسطين علي شاشات التلفزيون، حين تشاهد صوره على الجدران ومحمولة من قبل ابناء شعبه.
13- هل تطلب العودة الى فلسطين؟
- نعم. ولكنها تخاف من الحرب، وامل ان نعود انا وزهوة لنعيش بين اهلنا في القدس الشريف بعد ان تنقل جثمان ابو عمار من المقاطعة حيث يرقد، فهذه كانت وصيته. اذكر في حوار لي معك العام 1997 قولك لي اذا غاب ابو عمار فستكون هناك حرب مدمرة بين الفلسطينيين انفسهم، لانهم سيجدون صعوبة في ان يتقبلوا بديلا عن ابو عمار،
14- هل كان هذا رأيه هو؟
- لا، لم يقل لي ابو عمار هذا، ولكنني اعلم ان هذا ما كان يخشاه، انا حزينة جدا وقلقة الى ابعد الحدود من حالة الفرقة والحقد والانقسام الفلسطيني اصلي دائما لعودة اللحمة بين ابناء الشعب الواحد. ومن دون الوحدة ستضيع القضية.
15- طالما كنت تتحدثين في الامور السياسية، واليوم تبدين بعيدة عنها لماذا؟
- انا متابعة للشؤون السياسية الفلسطينية لحظة بلحظة، ولكنني همي الاول اليوم هو تربية زهوة وتعويضها حنان الاب، وهي اليوم في سن تحتاج فيه لكل رعايتي وحناني، كما انني اتابع العديد من القضايا الانسانية، واحاول تقديم المساعدة لابناء شعبنا بكل الوسائل المتاحة لي. والمرأة الفلسطينية كانت دوما وما زالت جزءا هاما من وطنها، فهي الفدائية، والشهيدة والوزيرة والمزارعة.