شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الحمد لله العزيز الوهاب، رحمان الدنيا والآخره ورحيمهما، واسع المغفرة، كثير الجود والهبات، والصلاة والسلام على خليل الله وخيرته من خلقه ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين والملائكة ثابته بالقرآن والسنة، ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم شفاعات متعددة، نطق بها الكتاب والسنة . وهي :
أولاً : الشفاعة العظمى ، أو المقام المحمود الذي يتأخر عنه آدم وأولوا العزم من الرسل، فإن الناس في أرض المحشر إذا أخذهم التعب والنصب كل مأخذ يلهمهم الله أن يذهبوا إلى آدم ويطلبوا منه أن يشفع لهم عند ربهم أن يفصل بينهم ليرتاحوا من هذا العناء الذي هم فيه، فيعتذر آدم ونوح وإبراهيم وموسى ، وكلٌ يذكر ما نعه من الشفاعة ، ويدلهم عيسى عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم ، ومما جاء في حديث أنس بن مالك في ذكر الشفاعة العظمى يقول صلى الله عليه وسلم : (فيأتوني فأقول أنا لها فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقول يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي.. الحديث ) وهذه الشفاعة خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم لا يشركه فيها أحد .
ثانياً : شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة في دخولها، فإن أهل الجنة إذا عبروا الصراط، وهذبوا ونقوا ، لم يدخلوا الجنة حتى يكون محمد صلى الله عليه وسلم هو أول داخل إليها وأول شفيع . قال صلى الله عليه وسلم : ( أنا أول شفيع في الجنة .. الحديث) .
ثالثاً : شفاعته لقوم من العصاة من أمته قد استوجبوا النار ، فيشفع لهم صلى الله عليه وسلم أن لا يدخلوها .
رابعاً : شفاعته صلى الله عليه وسلم في إخراج العصاة من النار، من أهل التوحيد ، والنصوص في ذلك كثيرة، وهذا النوع أنكره كثيرٌ من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة بناء على أصلهم الفاسد أن أصحاب الكبائر خالدين في النار، ولكن الأدلة الشرعية دلت على أن أصحاب الكبائر من أهل التوحيد أنهم تحت المشيئة وإن عذبوا فإن الله يخرجهم من النار جزاء توحيدهم وقبله فضله عليهم ورحمته بهم : ففي حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( فيأتوني فأستأذن على ربي فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله ثم يقال لي ارفع رأسك سل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني ثم أشفع فيحد لي حدا ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأقع ساجدا مثله في الثالثة أو الرابعة حتى ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن وكان قتادة يقول عند هذا أي وجب عليه الخلود ). وهذه الشفاعة تشاركه فيها الملائكة والنبيون والمؤمنون .
خامساً : شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفعة درجات المؤمنين ، ويؤخذ هذا من دعائه صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة لما توفي، قال : ( اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه ). وهذه الشفاعة يشاركه فيها المؤمنون الذين يدعون لموتاهم ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه ) .
سادساً : شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب، في تخفيف العذاب عنه يوم القيامة، جزاء نصرته له، وحمايته له من أذى كفار مكة . فقبل الله شفاعته فيه فخفف عنه العذاب يوم القيامة . عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عنده عمه أبو طالب فقال لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه) .
اللهم شفع محمد صلى الله عليه وسلم فينا، واجعلنا من أهل شفاعته، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم ، و الحمد لله رب العالمين .