مصادر التمويل
تشكل حصص الاشتراك – أو رسوم العضوية المشار إليها آنفا – المصدر الأكبر للنقود المتاحة أمام تصرف الصندوق. وتساوي الحصص الآن – نظريا – حوالي 130 مليار دولار، بالرغم من أن هذا المبلغ في واقع الأمر أكبر بشكل خادع. ولا يمكن استخدام نصف النقود تقريبا التي تظهر في ميزانية الصندوق، ويرجع ذلك إلى أن الدول الأعضاء تدفع 75 بالمائة من حصصها بالنقد المحلي، وإلى أن معظم العملات الوطنية نادرا ما يوجد طلب عليها خارج البلد الذي يصدرها. ولا يتم اقتراض إلا 20 عملة أو نحو ذلك من الصندوق في أثناء سنة معينة – بالرغم من وجود بعض الاستثناءات العرضية. ولا يريد معظم المقترضين من الصندوق إلا العملات الرئيسية التي تقبل التحويل، وهي: الدولار الأمريكي، والين الياباني، والدويتش مارك، والجنيه الإسترليني، والفرنك الفرنسي.
وحيث إنه لكل عضو الحق في الاقتراض من الصندوق عدة أضعاف المبلغ الذي دفعه كحصة للاشتراك، فمن الممكن ألا توفر الحصص نقد كافٍ لمواجهة احتياجات الاقتراض للأعضاء في فترات التوتر العصبية التي تصيب الاقتصاد العالمي. ولمواجهة هذا الاحتمال، فقد أقام الصندوق منذ عام 1962 خطا للائتمان – يساوي الآن حوالي 25 مليار دولار – مع عدد من الحكومات والبنوك في أنحاء العالم. ويتم تجديد هذا الخط من الائتمان – والذي يسمى " بالاتفاقات العامة للاقتراض " – الآن كل خمسة أعوام. ويدفع الصندوق فائدة على كل ما يقرضه في ظل هذه الاتفاقات ويتعهد بالوفاء بالقروض خلال خمسة أعوام.
وبالإضافة إلى هذه الاتفاقات العامة، يقترض الصندوق أيضا الأموال من الحكومات الأعضاء أو سلطاتها النقدية لتطبيق برامج معينة تعود بالنفع على أعضائه. وخلال العقد الماضي، فإن الصندوق – مستخدما وضعه الائتماني الجيد – بدأ يقرض أعضائه الفقراء لكي يوفر لهم أموالا أكثر يتم سدادها على آجال أطول وبشروط أكثر تيسيرا مما يمكنهم الحصول عليه بدون مساعدته. ولقد أدى الاقتراض بهذه الكميات الكبيرة إلى تغيير طبيعة عمل الصندوق إلى حد ما، ليجعل منها أكثر شبها بالبنوك، والتي يتمثل عملها أساسا في كونها مؤسسات تقوم بأعمال الاقتراض من إحدى المجموعات لكي تقرضها إلى مجموعة أخرى. ومع ذلك، فقد قررت الدول الأعضاء في عام 1982 أن على الصندوق أن يبقى في عمله كمؤسسة تأتي بأموالها بصفة رئيسية من حصص الاشتراك، وذلك طالما أن قوة تصويت العضو والامتيازات الأخرى ترتبط بتلك الحصص وليس بما يكون الصندوق قادرا على اقتراضه. ومن هنا فقد تحدد عدم زيادة ما يقترضه الصندوق عن 60 بالمائة من جملة قيمة الحصص.
المساعدة المالية
لا يقرض الصندوق الأموال إلا إلى البلدان الأعضاء التي تعاني من مشكلة في ميزان المدفوعات، أي إلى الدول التي لا يكون لديها عملة أجنبية تكفي للوفاء بقيمة ما تشتريه من البلدان الأخرى. وتأتي الأموال التي يحصل عليها بلد ما مما يأخذه من حصيلة الصادرات، ومن تقديم الخدمات ( مثل الخدمات المصرفية وخدمات التأمين )، ومما ينفقه السائحون فيه. كما تأتي تلك الأموال أيضا من الاستثمارات الخارجية، وفي صورة معونات – في حالة البلدان الأكثر فقرا – من البلدان الغنية. وبالرغم من هذا، يمكن للدول – مثلها مثل الأفراد – أن تنفق مبالغ أكثر مما تحصل عليه، وتسد هذا العجز لفترة ما عن طريق الاقتراض إلى أن يتم استنفاذ ائتمانها، وهو ما يكون عليه الحال في آخر الأمر. وعندما يحدث ذلك، يتحتم على الدولة أن تواجه عددا من النتائج البغيضة، ليس اقلها الخسارة التي تلحق القوة الشرائية لعملتها على نحو شائع والتخفيض الاضطراري في وارداتها من البلدان الأخرى. ويمكن لأي بلد عضو في مثل هذه الحالة أن يتجه لطلب المساعدة من الصندوق، والذي سيقوم بإمدادها لوقت ما بالنقد الأجنبي الذي يكفي للسماح لها بتصحيح ما أصبح خاطئا في حياتها الاقتصادية، آخذا في الاعتبار تثبيت عملتها وتدعيم تجارتها.
ويمكن للبلد العضو الذي يعاني من صعوبات في ميزان المدفوعات أن يسحب في الحال من الصندوق ما نسبته 25 بالمائة من حصته التي دفعها بالذهب أو باحدى العملات القابلة للتحويل. وإذا لم تفِ هذه النسبة – البالغة 25 بالمائة من حصته – باحتياجاته، فقد يطلب العضو الذي يعاني من صعوبات أكبر أموالا أكثر من الصندوق، وبذلك يستطيع خلال عدد من السنوات أن يتراكم ما يقترضه ليصل إلى ما يزيد عن أربعة أضعاف ما دفعه كحصة للاشتراك.
ويحكم الصندوق اعتبارين عند قيامه بإقراض العضو ما يزيد عن نسبته المبدئية البالغة 25 بالمائة من حصته – هما:
أولا: أن سلة العملات المتاحة أمام تصرف الصندوق يحتفظ بها من أجل صالح الأعضاء في مجموعهم. وبذلك فيتوقع من كل عضو يقترض عملة عضو آخر من هذه السلة أن يعيدها بمجرد أن يتم علاج المشاكل الموجودة في ميزان مدفوعاته. وبهذه الطريقة، يمكن تدوير هذه الأموال على جميع الأعضاء بحيث تكون متوافرة كلما ظهرت الحاجة إليها.
ثانيا: قبل أن يقوم الصندوق بسحب أية أموال من سلة العملات، يجب على العضو أن يظهر بوضوح كيفية ما ينتويه من أجل علاج مشكلته في ميزان المدفوعات، وذلك بغرض إمكانية السداد للصندوق خلال الفترة المعتادة التي تتراوح بين ثلاثة وخمسة أعوام ( والتي يمكن أن تمتد في حالات معينة إلى عشرة أعوام ).
والمنطق الذي يقف وراء هذين الاعتبارين بسيط: فأي بلد يعاني من مشكلة في ميزان المدفوعات يقوم بالإنفاق بأكثر مما يحصل عليه من الأموال. وما لم يحدث الإصلاح الاقتصادي، فسوف يستمر في الإنفاق بما يزيد عما يحصل عليه من الأموال. ونظرا لوجود التزام على الصندوق تجاه الأعضاء في مجموعهم للحفاظ على السلامة المالية لمعاملاتهم، فإنه لا يقرض إلا بشرط أن يستخدم العضو ما يقترضه من أموال بكفاءة. وعلى ذلك يتعهد البلد العضو بالبدء في سلسلة من الإصلاحات من شأنها أن تستأصل مصدر الصعوبة في ميزان المدفوعات، وأن تمهد الطريق للنمو الاقتصادي. ويقدم المقترض إلى الصندوق – بالإضافة إلى طلبه للقرض – خطة الإصلاح، والتي يتعهد فيها بتخفيض قيمة عملته من منظور العملات الأخرى ( في حالة ما إذا كان قد تم زيادة تقدير قيمة عملته )، وزيادة الصادرات، وتقليل الإنفاق الحكومي. ويضع العضو تفاصيل البرنامج، وبذلك فإن برنامج الإصلاح هو برنامج العضو، وليس برنامج الصندوق. ولا يهتم الصندوق إلا بأن تكون التغيرات في السياسة المتبعة كافية للتغلب على المشاكل في ميزان مدفوعات الدولة العضو، وبأنها لا تتسبب في حدوث ضرر محتوم للأعضاء الأخرى. ويقرر المديرون التنفيذيون الذين يمثلون الأعضاء في مجموعهم – بناء على مدى خطورة المشاكل في ميزان المدفوعات والمبلغ الذي يرغب العضو في اقتراضه – ما إذا كانت إجراءات الإصلاح تكفي في الواقع وما إذا كان الصندوق يمكنه الجزم بجدية السداد.
وإذا ما اقتنع المديرون التنفيذيون بأن الإصلاحات سوف تعالج المشكلة، يتم دفع القروض على أقساط ( غالبا خلال مدة تتراوح من عام إلى ثلاثة أعوام ) ترتبط بتقدم العضو في وضع الإصلاحات موضع التنفيذ. وإذا ما سارت الأمور على ما يرام، فسوف يتم سداد القرض في موعده، وسيخرج العضو – والذي أصبحت الإصلاحات الضرورية الآن في محلها – من التجربة أقوى من الناحية الاقتصادية عما كان عليه من قبل,
ويقرض الصندوق البلدان التي تعاني من مشكلات في موازين مدفوعاتها في ظل مجموعة من البرامج التي تختلف وفقا للمشكلات المعينة التي توضع من أجلها. وعلى سبيل المثال، خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية أقرض الصندوق مبالغ كبيرة من الأموال إلى الأعضاء من خلال برنامج تم تصميمه لمواجهة تدهور مؤقت في حصيلة صادرات أحد الأعضاء لأسباب تقع جوهريا خارج نطاق سيطرة هذا العضو. ولنفترض أن الجليد قد أتلف معظم حبوب البن التي يصدّرها أحد الأعضاء لكي يحصل في مقابلها على النقد الأجنبي ( الدولارات الأمريكية على سبيل المثال )، والذي يذهب بدوره للوفاء بالالتزامات المالية اليومية على ذلك العضو تجاه الأعضاء الأخرى. فهنا يمكن للعضو أن يتقدم إلى الصندوق طالبا الحصول على قرض، يتعلق بخسارته للعائد من الصادرات، والذي سيمده بالدولارات المطلوبة لكي يستمر في أداء التزاماته حتى يتم تصدير محصول البن القادم، ومن ثم يتم استئناف التدفق المعتاد للدولارات.
ويوفر أكثر هذه البرامج شيوعا – والذي يسمى باتفاق المساندة – للعضو الذي يعاني من مصاعب في الوفاء بالتزاماته الخارجية خطا للائتمان لمدة تزيد على ثلاثة أعوام، وذلك لإعطائه الوقت اللازم لإعادة تنظيم أوضاعه المالية. وخلال تلك الفترة، يمكن للعضو الاقتراض من الصندوق على أقساط تزيد على القيمة القصوى لهذا الائتمان للوفاء بهذه المدفوعات الخارجية، شريطة أن تظل في نطاق برنامج إعادة التنظيم. وهناك برنامج آخر يتيح الأموال عند أسعار فائدة منخفضة للدول الفقيرة في الوقت الذي تقوم فيه بإعادة هيكلة اقتصاداتها جذريا لكي تتخلص من الاختلالات التي طال أمدها. وتتطلب الصورة الجديدة لهذه الوسيلة من الإقراض تعاون وثيق مع البنك الدولي – المؤسسة الشقيقة للصندوق، والتي ينحصر عملها في تحقيق التنمية الاقتصادية في دول العالم الأكثر فقرا – عن طريق وضع الإصلاحات التي سوف تستأصل مصدر الصعوبات في ميزان المدفوعات موضع التنفيذ وتهيئ المناخ للنمو الاقتصادي. ويتم تمويل هذا البرنامج عن طريق المساهمات الاختيارية من البلدان الأعضاء التي تقوم – في إطار روح من التعاون – بالتضحية بسعر الفائدة السائد في السوق الذي كان يمكن الحصول عليه بطريقة أو أخرى على هذه الأموال. ويتيح الأعضاء الأغنياء في الصندوق ما يقدر بمبلغ 12 مليار دولار لتمويل هذا البرنامج.
الرسوم
إذا ما اقترض عضو ما أموالا من الصندوق، فإنه يدفع رسوما متنوعة لتغطية مصروفات التشغيل للصندوق، ولتعويض العضو الذي تم اقتراض عملته. وفي الوقت الحالي، يدفع المقترض رسوما للخدمة والالتزام تقدر بحوالي 0.5 بالمائة من المبلغ المقترض، بالإضافة إلى أعباء الفائدة حوالي 9 بالمائة ( فيما عدا برنامج التكييف الهيكلي المشروح آنفا، والذي تكون رسوم الفائدة عليه أقل كثيرا ). زلا يحصل أي عضو في الصندوق على فائدة على اشتراكات الحصص إلا إذا اقترضت الأعضاء الأخرى عملته من سلة العملات. ويختلف كم ما يحصل عليه العضو، ولكنه أصبح مؤخرا حوالي 7 بالمائة من المبلغ الذي اقترضته الأعضاء الأخرى بعملته من الصندوق. وتعتبر كل من أعباء الفائدة التي يدفعها المقترض للصندوق والتعويض الذي يحصل عليه الدائن من الصندوق أقل بدرجة بسيطة عن الأسعار السائدة في السوق، وذلك للحفاظ على الروح التعاونية للمؤسسة.
حقوق السحب الخاصة
يساعد الصندوق في تثبيت القيمة التبادلية لعملة الدولة العضو عن طريق إمدادها بالعملات القابلة للتحويل من خلال هذه التسهيلات المتعددة. ويستطيع الصندوق أيضا خلق نوع خاص من الأموال يضاف إلى الأصول الاحتياطية التي تحتفظ بها معظم البلدان في يدها كاحتياطي في مقابل أي مدفوعات يحتمل أن تحتاج في تسويتها إلى النقد الأجنبي. وكحكم عام وتقديري، تجد معظم البلدان أن من الحكمة أن تحتفظ في يدها باحتياطيات كافية لتغطية ما يساوي مدفوعات بضعة شهور. وخلال الستينات بدا أن من المحتمل أن يتباطأ الاقتصاد العالمي نتيجة عدم ملاءمة الاحتياطيات لمساندة التوسع الاقتصادي القوي الذي شهده العالم فيما بعد. وكانت الاحتياطيات الأساسية في هذه الفترة هي الذهب والدولارات الأمريكية،
وكانت هناك مشكلة في المعروض من كل منهما. فقد تحدد حجم المعروض من الذهب بسبب صعوبة اكتشافه واستخراجه من الأرض. ولم تستطع الإمدادات الجديدة من الذهب أن تحافظ على السرعة التي كان يتم بها التوسع في الاقتصاد العالمي. أما الكميات المعروضة من الدولارات أمام الدول الأخرى للاحتفاظ بها كاحتياطي، فقد اعتمدت على رغبة الولايات المتحدة في الإنفاق والاستثمار في الخارج بأموال أكثر عما تستخدمها في الداخل. وطالما أنه لا يمكن التعويل على الحكم بأن تستمر الولايات المتحدة في فعل ذلك بلا نهاية، فقد كان من الممكن حدوث نقص واسع النطاق في الاحتياطيات. وتحسبا لهذا الاحتمال، فقد تم تفويض الصندوق في إصدار أحد الأصول يطلق عليها اسم وحدات " حقوق السحب الخاصة "، التي أضافها الأعضاء إلى ما في حوزتهم من العملات الأجنبية والذهب اللذين يحتفظون بهما في البنوك المركزية. وقد تحددت قيمة مصطنعة – تعتمد على متوسط قيم العملات الخمسة الرئيسية في العالم – لوحدة حقوق السحب الخاصة. ويوجد الآن 21.4 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، تساوي 30 مليار دولار، وتمثل نحو 3 بالمائة من جملة الاحتياطيات.