كثيرة هي المشاكل التي يعاني منها الطالب أيام الامتحانات ، ومع بداية موسم امتحانات الفصل الدراسي الأول تكثر التساؤلات حول هذا الموضوع، وإليكم بعضاً من هذه التساؤلات التي يجيب عليها الدكتور عمرو أبو خليل رئيس قسم الطب النفسي بمستشفى المعمورة بالإسكندرية:
ما أفضل أوقات الدراسة، وهل تنصحونا بالسهر أيام الامتحانات؟
الحقيقة أن أفضل أوقات المذاكرة هي البكور، في الوقت الذي يستيقظ فيه الإنسان مبكرًا، وقد ثبت هذا علميًا، حيث وجد أن الجسم يكون به من المواد الكيميائية التي تساعد أو تحفز الانتباه والتركيز ما يجعل الاستيعاب في هذا الوقت من أفضل الأوقات.
ولذا فإن ساعات الفجر الأولى تعتبر هي أفضل أوقات المذاكرة، ولذا فإن نظام اليوم الإسلامي -إن صح التعبير- الذي ينتهي بصلاة العشاء أو بعدها قليلاً، ويبدأ بصلاة الفجر هو الأنسب للطلاب للمذاكرة، وهو أيضًا الأنسب في أيام الامتحانات، حيث يفضل النوم المبكر ولا يفضل السهر. وذلك لأن الذي يسهر يصحو مكدودًا متعبًا، وربما مع قلق الامتحان يصاب بما نسميه انغلاق أو غلق الفكر أو التفكير، حيث يعجز عن استعادة المادة التي ذاكرها، في حين أن النوم المبكر والاستيقاظ المبكر يجعل صاحبه في حالة تسمح له باستعادة ما ذاكره بهدوء. لذا، فإن النظام الطبيعي من المذاكرة أثناء النهار والنوم الكافي أثناء الليل هو النظام الأمثل بالنسبة للطالب، وإن قلب هذا النظام يزعج الطالب في أثناء الامتحان، حيث تجده مضطرًا إلى النوم أثناء وقت الامتحان، وهو ما يشتت انتباهه وتركيزه.
ما أسباب نسيان المادة بعد مذاكرتها؟
كما أقول دائمًا، فإننا يجب أن نتفق أولاً على معنى المذاكرة الجيدة، لأن البعض يعتبر نفسه قد ذاكر بطريقة جيدة، والحقيقة على غير ذلك، وكما أقول دائمًا لطلابي إن هناك خمس قراءات للموضوع الذي يجب أن نعتبر أننا قد ذاكرناه جيدًا، وأقول لهم: هل بعد هذه القراءات الخمسة يمكن أن نعجز عن استعادة المادة التي قمنا بدراستها ، وتكون الإجابة بالنفي، حيث يكتشفون أن السبب في العجز عن الاستعادة هو أننا لم ندخلها بطريقة جيدة إلى الذاكرة، تضمن حفظها بطريقة سليمة، وبالتالي استعادتها بطريقة صحيحة.
القراءة الأولى نسميها التعرف، حيث تتعرف على هذا الموضوع الذي سوف تذاكره، وتأخذ عنه فكرة عامة، أو نسميها قراءة الجريدة. ثم القراءة الثانية نسميها القراءة النشطة، حيث يمسك الطالب بقلمه ليخطط تحت الأجزاء الهامة، أو يضع عناوين جانبية، أو يسجل الأسئلة الهامة التي ذكرها الأستاذ أثناء الشرح، أو يسجل الأسئلة التي جاءت في الامتحانات السابقة، وبذلك يتحول الموضوع من كيان أصم لا حياة فيه إلى كائن نشط يتفاعل مع من يذاكر معه. وتكون القراءة الثالثة هي قراءة الحفظ، وهي تعتمد على القراءة السريعة المتفهمة، حتى لا يدخل الملل إلى نفس صاحبها. والقراءة الرابعة هي التسميع، وللتسميع فوائد هامة، فهو يساعد الطالب على اكتشاف النقاط الضعيفة فيما حفظ، والثاني أنه يستخدم السمع كوسيلة لإدخال المعلومة بجوار الكتابة والعين، والفائدة الثالثة أنه نموذج للامتحان، فما الامتحان إلا تسميع لهذه المادة، ولكن في وقت مختلف ومكان مختلف.
أما القراءة الخامسة والأخيرة، فهي حل الأسئلة على هذا الموضوع الموجودة في نهايته، أو الأسئلة التي قد وضعتها أثناء القراءة النشطة، أو المراجعة على العناوين الهامة.
إن هذه القراءات الخمسة لا يمكن لمن قد درس موضوعًا من خلالها أن يعجز عن استعادتها. الخلاصة أن الاستعادة الصحيحة للمادة تحتاج إدخالاً صحيحًا لها، أما وجود أي خلل في مرحلة الإدخال يجعل عملية حفظها، ثم عملية استعادتها تتم بصعوبة أو ربما يفقد جزء منها ولا يمكن استعادته.
هل يمكن أن تدلونا على حل لمشكلة السرحان أثناء الدراسة ؟
الحقيقة أن عكس السرحان هو الانتباه، ومن أجل أن ننتبه فإنه يجب أن نراعي عدة أمور: أولها، وهو ما أكدنا عليه سابقًا هو تنظيم الوقت، فإن تقسيم المادة العلمية على الوقت المتاح وتحديد ماذا سيذاكر في كل فترة زمنية، بمعنى أن هذه الساعة سأذاكر خلالها هذا النص أو هذا الموضوع، أو هذه الصفحات، وبالتالي سيكون نصيب كل خمس أو عشر دقائق صفحة مثلاً، فإن كل خمس دقائق ستصبح لها قيمتها، لأنني إذا فقدتها فإنني أفقد صفحة، هذه الطريقة تجعلني في حالة انتباه مستمر، وأيضًا وجود فترات راحة بينية تجعل العقل يستعيد نشاطه، لأن السرحان في بعض الأحيان يكون وسيلة للعقل للحصول على الراحة التي لم يحصل عليها طواعية من الذي يذاكر، وبذلك تكون النقطة الأولى هي تنظيم الوقت. النقطة الثانية هي تثبيت الوقت، بمعنى أنه لا بد أن يكون لكل شخص فترة من اليوم تكون هي فترة المذاكرة، بمعنى أنه مثلاً الفترة من الساعة الخامسة إلى الساعة العاشرة مساءً هي فترة المذاكرة، ومع مرور الوقت يحدث ارتباط شرطي بين هذا الوقت وبين المذاكرة، فتتهيأ حواس الجسم للقيام بالمذاكرة، وكذلك تثبيت مكان خاص بالمذاكرة، بمعنى أن يكون هناك ركن خاص ليس شرطًا أن تكون غرفة مكتب، ولكن مكان وركن في البيت يكون له خصوصية المذاكرة، بحيث أيضًا عندما أتواجد فيه تتهيأ حواسي للقيام بمسألة المذاكرة، وبالتالي أصبح قادرًا على الانتباه، أيضًا تنشيط الدورة الدموية ببعض التمارين الخفيفة قبل البدء في المذاكرة يساعد على زيادة الانتباه. وأخيرًا ألا تكون المذاكرة فرصة لاستعادة الذكريات ولحل المشاكل، ولأحلام اليقظة، بحيث يدرك الطالب أن الحل الواقعي لمشاكله والوصول الحقيقي لأحلامه يكون من خلال المذاكرة، وليس من خلال الأحلام والخيالات. هذه الطرق هي طرق زيادة الانتباه من أجل التخلص من آفة السرحان، مع العلم أن نسبة قليلة من أحلام اليقظة ربما تكون شيئًا عاديًا لطالب يذاكر، ودائمًا أضرب هذا المثال فأقول: إن طالبًا يذاكر لمدة ساعتين فلا مانع من أن يحلم لمدة عشر دقائق، بشرط أن يعود مرة أخرى إلى عالم المذاكرة وإلى كتابه، ولكن الطالب الذي يذاكر ساعتين فيحلم فيها لمدة ساعة ونصف، فهذا أمر مرضي يحتاج إلى علاج.
هل نوعية الطعام لها علاقة في الحالة المزاجية والتركيز أيام الامتحانات ؟
الحقيقة أن الطعام الصحي المتوازن مع الاعتدال في التناول تأسيًا بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه". إن هذا النموذج في الاعتدال في تناول الطعام هو الذي يؤدي إلى حالة مزاجية معتدلة، فالتخمة والإفراط في الطعام تؤدي إلى حالة من الكسل، وتؤدي إلى غلبة النوم، وتؤدي إلى تقليل النشاط، وقلة الطعام وعدم الحصول على الكميات المفيدة والكافية منه أيضًا تؤثر على التركيز والانتباه، بحيث تقلل من قدرة الإنسان على الاستيعاب.
فلا يوجد طعام بعينه، ولكن يوجد نظام هو الاعتدال في نوعية الأطعمة، والاعتدال في كمية الأطعمة. فالاعتدال والوسط كله خير.
أعاني من القلق وعدم القدرة على النوم أيام الامتحانات فما الحل ؟
1- التقليل من شرب المنبهات مثل: القهوة، والنسكافيه، والشاي، خاصة في النصف الثاني من النهار، حيث تؤثر على النوم، وعلى قدرة الإنسان على الدخول في نوم مريح. لذا فيجب الاعتدال في تناول هذه المنبهات، بحيث لا تزيد عن كوب واحد من القهوة أو كوبين من الشاي، ويكون ذلك من الأفضل في نصف اليوم الأول.
2 - أن نمتنع عن أي مثيرات في فترة ما قبل النوم، بمعنى أنه إذا كانت هناك مادة صعبة أو تثير لدينا القلق، فيفضل ألا تكون في الفترة التي قبل النوم، ويفضل أن ننهي اليوم بمادة من المواد المحببة إلينا، أو التي نحب دراستها، فينتهي اليوم هادئًا، مما يمكننا من النوم بهدوء.
3 - الاستعانة بتمرين الاسترخاء يمكن للطالب أن يقوم به 6 مرات في اليوم، 5 عقب كل صلاة والمرة الأخيرة قبل النوم، يساعد على ارتخاء الأعصاب خلال فترة المذاكرة، وتقوم فكرته على أن يقوم الطالب بالاستلقاء على الأرض، ثم رفع قدميه وذراعيه في زاوية 45 درجة كرمز للتوتر، ثم يقوم بإرخاء عضلاته لمدة 10 دقائق مغمض العينين، لا يفكر في أي شيء، ويكون هذا الإرخاء لعضلاته من أسفل إلى أعلى، بمعنى أنه يقوم أولاً بإرخاء عضلات قدميه ويحدث نفسه قائلاً: "لقد استرخت قدماي"، ثم يصعد إلى ساقيه فيقوم بإرخائهما، ويقول لنفسه: "لقد استرخت الآن قدماي وساقاي"، وهكذا في تصاعد متدرج حتى يصل إلى عضلات وجهه، فيصل إلى حالة استرخاء تام، يعد بعدها من 1 إلى 10 ثم يقوم -وقد هدأت أعصابه المتوترة-. للدخول إلى النوم ، بحيث تلغى منه فترة الاستيقاظ، حيث يكون تمرين الاسترخاء مدخلاً إلى النوم مع الاستعانة بالأدعية المأثورة، والأذكار الخاصة بالنوم، ولا مانع من أن نستمع إلى بعض الآيات القرآنية، أو نقرأ بعض الآيات لمن يفضل القراءة عن السماع، ويكون ذلك قبل النوم مباشرة.
4 - التأكد من التهوية الجيدة لمكان النوم، خاصة في الأيام الحارة، حيث إن التهوية الجيدة من شروط النوم الهادئ، أيضًا التأكد من أن مكان النوم مريح، ولا يوجد ما يقلق النوم. أخيرًا، فإن كوبًا من اللبن المحلى بملعقة كبيرة من عسل النحل توفر نومًا هادئًا من غير قلق.
هذه الأسباب للنوم الهادئ الصحي إذا تم توفيرها مع اتباع التعليمات المانعة للقلق أثناء المذاكرة التي أسلفناها سابقًا، فإن ذلك سيؤدي بإذن الله إلى نومك بشكل طبيعي وصحي، وإذا لم تنجح كل هذه الوسائل في نومك بطريقة طبيعية، ففي هذه الحالة يحتاج الأمر إلى مراجعة الطبيب النفسي لمساعدتك بطريقة مباشرة من خلال المقابلة الإكلينيكية المباشرة. وفق الله جميع طلابنا الأحباء.