لظروف مبهمة تطلقت أمي من أبي.. وعشت مع أمي إلى أن تزوجت..
بعدها اصطحبني أبي إلى قريته لأعيش مع زوجته وإخوتي الذين أراهم لأول مرة..
في البداية كان أبي فرحاً جداً بي لدرجة أنه أحضر كل ما تتمناه نفسي..
لكن.. هي أيام معدودة.. و..
مرت لحظات السعادة سريعاً دون أن أشعر بها..
- منار.. منار..
- نعم أمي.. عفواً.. عمتي..
- اسمعي يا منار أنتِ قد كبرت ويجب عليك أن تعتمدي على نفسك!
- لكن.. لكن..
- لكن ماذا؟ إذاً ماذا كانت تعمل أمك طيلة التسع سنين الماضية؟ اسمعي.. أنا لدي أولاد ولن أستطيع تحمل مسؤوليتك ومسؤوليتهم.. أتفهمين؟
استنتجت من أول حوار لي مع زوجة أبي أني لن أعيش كغيري من الأطفال.. شعرت أني بحاجة إلى أمي.. طلبت من أبي أن أكلمها عبر الهاتف.. نهرني بقوة وقال.. (أمك.. أمك ماتت!)
التفت إلى زوجة أبي ملتمسة عطفاً منها أو حناناً.. لكنها رسمت كل ذلك في ابتسامة تحمل من الحقد معانٍ
استطعت فهمها وأنا طفلة لا تتجاوز التاسعة..
علمتني أمي أن الابتسامة تعني الجمال والمحبة والصفاء.. هي باختصار معنى لكل شيء جميل.. لكن هذه الابتسامة مختلفة تماماً.. لا أعرف لماذا.. كل ما أعرفه أني لم أحبها ونفرت منها..
أين أنت يا أمي؟ لماذا لم تحكي لي أن هناك ابتسامة حقد وكراهية..؟
اتجهت حينها إلى مخدتي التي أصبحت أنيسة وحدتي.. لم أسأل لم كل هذه القسوة.. كل ما فعلته أني قبعت في ركن من الأسى يدعى الصمت..
وفي يوم النتائج.. أو يوم الشهادات – كما يحلو لطالبات الابتدائية أن يسمينه استلمت نتيجتي..
ناااااااجحة!.. يا للفرحة.. لكن.. كيف لي أن أخبر أمي؟؟
مدت إليّ معلمتي هاتفها النقال قائلة: (خذي يا منار.. أخبري والدتك بنجاحك.. ستفرح كثيراً)
وببراءة طفولتي ضممت معلمتي وأنا أبكي..
- شـ.. كـ.. ر.... اً ..
لم تكد أمي تفهم كلماتي المتقطعة.. فهي لم تكن تسمع سوى شهقاتي المتتالية..
أخذت معلمتي الهاتف وأخبرت والدتي بنجاحي.. وانتهى يومي بذلك..
اشتقت لأمي ولن تكفي هذه الكلمة لأعبر عما بداخلي..
اشتقت لأمي.. فسحبت هاتف بيتنا إلى إحدى زوايا الصالة.. واتصلت بها واشتكيت لها تعامل أبي وزوجته وإخوتي معي.. ولم أكن أعلم أن أبي قد وضع جهاز تسجيل على هاتف المنزل.
وفي ذلك المساء الذي لن أنساه ما حييت.. جاء أبي والشرر يتطاير من عينيه..
- مع من تكلمت اليوم؟
لذت بالصمت..
وارتفعت يده بالعصا ليضربني.. وضعت يدي على وجهي لأقيه من الضربات التي انهالت عليّ وكأنها قذائف من نار.. بمن أحتمي؟ وإلى من أهرب؟
صعدت إلى غرفتي ثم ركضت نحو دار تحفيظ القرآن التي أداوم بها.. ذهبت قبل بداية الدوام ولم يكن هناك أحد سواي.. جلست أبكي بدموع تمنيت معها أن تنطفئ حرقة الأسى والحرمان التي تحرق قلبي..
أبي.. برغم كل القسوة التي ما زلت تعاملني بها.. لم أسألك يوماً ما هو خطأي؟
بقلم/ مي المفرج – تمير