omar عضو نشيط
عدد الرسائل : 313 تاريخ التسجيل : 24/12/2007
| موضوع: دمشق القديمة - الجمهورية السورية الثلاثاء فبراير 26, 2008 7:42 pm | |
| بدءاً من العقد الأخير من القرن الماضي، وهو العقد الذي شهد اندفاعاً سياحياً كبيراً باتجاه سورية لأسبابٍ كثيرة يأتي في مقدمتها رفع الحصار الأميركي ـ الأوروبي عن سورية وتحسن العلاقات السورية مع دول الخليج العربي؛ راحت الأمور تتغير شيئاً فشيئاً، وعادت معظم أحياء دمشق القديمة إلى الأضواء بصورة غير متوقعةمن الظلّ إلى النور: الإقبال على دمشق القديمة بدأ أولاً مع السائحين الأجانب، مما تطلب من الجهات والفعاليات العامة والخاصة إعادة تأهيل الكثير من المواقع الأثرية والبيوت القديمة التي تعود ملكية غالبيتها لأسرٍ دمشقية عريقة، لتستقبل الأعداد المتزايدة من السيّاح الذين ضاقت بهم المقاهي الموجودة والآثار القائمة. وهكذا، وتحت ضغط المد السياحي، شهدت الأسوار التاريخية وقلعة دمشق والقصور والحمامات الأيوبية والمملوكية والمساجد والكنائس والمكتبات، بالإضافة إلى لكثير من البيوت العثمانية) المعمرة، عمليات ترميم واسعة روعيت فيها الشروط البيئية – التراثية حسب الفترة التاريخية لبناء كل منها، ومع مرور الوقت تحولت معظم هذه البيوت إلى مقاهيَ ومطاعم ونواديَ ليلية وفنادق صغيرة، وأصبحت مع بقية الآثار، وخصوصاً الحمامات، مقصداً للزوار ليلاً نهاراً. ** الملفت للانتباه، أنه مع تغير المناخات التي جلبت هؤلاء السياح الوافدين بمعظمهم من أوروبا الغربية، والتوقف شبه التام لتوافد المجموعات السياحية الخارجية نحو سورية، لم يطرأ أي تراجع في مستوى الإقبال على دمشق القديمة، والسبب ببساطة هو أن حركة السياحة الداخلية غطت التراجع، وملأت الفراغ بجدارة، خاصة وأن الكثير من الفعاليات الثقافية باتت تُقام في المدينة القديمة كالمسرحيات ومعارض الرسم والنحت والمنتديات الأدبية والمهرجانات الفنية. ** كما أن ظاهرة شديدة الخصوصية بدأت تطغى على المشهد العام، وهي أن عدداً كبيراً ومتزايداً من الشباب السوري من كلا الجنسين، راح يهرب من صخب المدينة الحديثة إلى هدوء وسكينة المدينة القديمة، وبدأت المقاهي والمطاعم (الرخيصة الأجور عموماً) تعج بشبان وصبايا من كافة الشرائح الاجتماعية، فأخذوا يطبعونها بطابعهم، ويلوّنونها بألوانهم الزاهية المنفتحة على الحياة.
إلى حى "باب توما"
هذا الحي أخذ اسمه من أحد الأبواب السبعة للمدينة القديمة، والذي يُنسب بدوره لأحد القديسين المعروفين، ومعظم أجزائه القديمة تقبع داخل السور الأثري الذي يعود إلى الفترة الآرامية، أي إلى الألف الثانية قبل الميلاد، كما أن أجزاء كبيرة منه، بعضها قديم والآخر حديث، باتت إحدى ملامح المدينة الحديثة، وخاصة السوق الشهير الذي يحمل الاسم ذاته، وقد أمست ساحته التي يتوسطها الباب الأثري بين ليلة وضحاها، ملتقى الشبان، بعدها إما يتوارون داخل المدينة القديمة، أو يمضون للتسوق أو للتجول في السوق الحديث، "الحكواتي" مع تزايد الإقبال على المدينة القديمة، عادت الحيوية إلى بعض الظواهر التي كانت تسير نحو الانقراض، منها على سبيل المثال: ظاهرة "الحكواتي" الذي عاد من غياهب القرن التاسع عشر وما قبل ذلك إلى غرّة الألفية الثالثة ليقول مجدداً: "ها أنا هنا"، ومن الملفت اليوم أن كثيرين، وخاصة في شهر رمضان، يؤمون المقاهي، فقط ليستمتعوا صوتاً وصورة، بحكايات الزير سالم وعنترة وتغريبة بني هلال التي يسردها الحكواتي "المعاصر" بأسلوبه الخاص، والجميل أن معظم "حكواتية" اليوم يؤدون أدوارهم بإتقانٍ لافت كما لو أنهم يعيشون في ذلك الزمن الغابر، ويبذلون كل جهدهم لإقناع الناس بصدق كل يتفوهون به من مبالغات ملحمية. و"النارجيلة".. أما أكثر ما يلفت الانتباه في مقاهي المدينة القديمة هو الإقبال الكبير على "النارجيلة" أو "الأرغيلة" كما يسميها السوريون، فبمحاذاة كل طاولة تجمع ثلاثة أو أربعة من الشباب توجد أرغيلتان أو ثلاث، وبالتالي فإن رائحة "المعسّل" أو "التنباك" تطغى على جميع الروائح الأخرى في المقاهي المغلقة، أما المقاهي المكشوفة، وهي التي تشهد الإقبال الأكبر، فإن روائح معسّلها وتنباكها ودخانها تملأ شتى أرجاء الزواريب الضيقة، حتى يخال المرء أن المدينة القديمة بأكملها قد تحولت إلى مقهى كبير. و"الكولا" وبحكم أن معظم الشباب من الطلاب، أو من محدودي الدخل، فإن المشروب الأرخص بالنسبة لهم هو "الكولا"، وبالتالي فإن "الحكواتي" و"النارجيلة" و"الكولا" تجتمع كلها في مكان واحد، فيه مزج غير متجانس بين الحنين والمعاصرة و..قلة السيولة. إدمان.. أم "موضة" في جميع الأحوال، فإن "دمشق القديمة" التي تحولت اليوم بكاملها تقريباً إلى منشآت سياحية بـ "نجوم" مختلفة، تمضي حالياً باتجاهٍ استهلاكي خطر، قد يلفظ في وقتٍ قريب، معظم الوافدين إليها من الشرائح الشابة من عديمي الدخل أو من محدوديه، وفي هذه الحالة سيهجرها الشباب مرغمين، بغض النظر إن كان تعلقهم بها "موضة" أو حب وتعوّد، وهذا إن حدث سيُشكل خسارة كبيرة للجميع، وعلى رأسهم بكل تأكيد، المدينة القديمة نفسها، التي قد تعاود السبات بانتظار فرصة أفضل للعودة للحياة.
| |
|