17- الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على محمد النبي الكريم الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى يوم الدين .
هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي ، المكي المهاجري البدري حليف بني زهرة . كان رجلاً نحيفاً قصيراً ، شديد الأدمة، دقيق الساقين . أمه هي أم عبد بنت عبد ود بن سوى ، ولذا يسمى أحياناً بابن أم عبد .
من السابقين الأولين إلى الإسلام، شهد بدراً وما بعدها، وهاجر الهجرتين . قال ابن مسعود : لقد رأيتني سادس ستة ما على ظهر الأرض مسلم غيرنا . وقال ابن مسعود : كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط ، فمرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال: يا غلام ! هل من لبن؟ قلت : نعم ، ولكني مؤتمن، قال: فهل من شاة لم ينز، عليها الفحل؟ فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلب في إناء، فشرب، وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: اقلص، فقلص. ثم أتيته بعد هذا فقلت يا رسول الله : علمني من هذا القول ، فمسح رأسي وقال : يرحمك الله غُليم معلَّم .
وفي عبد الله ابن مسعود وأصحاب له نزل قوله تعالى : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } الآية . قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة، فقال المشركون: اطرد هؤلاء عنك فلا يجترئون علينا، وكنت أنا وابن مسعود ،ورجل من هذيل ، ورجلان نسيت اسمهما ، فوقع في نفس النبي صلىالله عليه وسلم ما شاء الله ، وحدث به نفسه، فأنزل الله الآية . {ولا تطرد .. الآية } .
وقد أوتي عبد الله بن مسعود علماً عظيماً ، وكان أحد الذين جمعوا القرآن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومدحه الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : (من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة أم ابن عبد ) . وقال عن نفسه رضي الله عنه : والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه .
وكان عبد الله بن مسعود وأمه مقربين لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أبو موسى رضي الله عنه : قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينا ما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل البيت من كثرة دخولهم ولزومهم له . بل وأبلغ من ذلك قول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود : ( إذنك علي أن يرفع الحجاب وأن تستمع سِوَادِي حتى أنهاك ) . والمعنى أنه إذا رفع الحجاب عن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحجبك شيء عن الدنو مني وسماع حتى الكلام الخافت حتى تنهى عن ذلك .
وأما صفاته الخُلقية فيقول حذيفة بن اليمان : ما أعرف أحدا أقرب سمتا وهديا ودلا بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد .
ومن مناقبه ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود فصعد على شجرة أمره أن يأتيه منها بشيء فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود حين صعد الشجرة فضحكوا من حموشة ساقيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما تضحكون لرجل عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد) . مات رضي الله عنه في سنة اثنتين وثلاثين ، ودفن بالبقيع، وقيل كان موته قبل موت عثمان رضي الله عنه بثلاث سنين . اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا .
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .
18: الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه
الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسلام على الإمام الرسول النبي الأمي الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى يوم الدين .
هو أبو عبد الله سلمان الفارسي ، سابق الفرس إلى الإسلام، صحب النبي صلى الله عليه وسلم وخدمه وحدث عنه . كان لبيباً حازماً من عقلاء الرجال وعبادهم ونبلائهم . كان قبل الإسلام فارسياً مجوسياً ، وكان أبوه من كبار رجال الدين الوثني المجوسي، ثم قُدر له أن يستمع إلى نصارى وهم يصلون في كنيستهم فأعجب بدينهم ، فاعتنق النصرانية ، وتنقل بين بضعة عشر من الرهبان يخدمهم ويأخذ عنهم حتى استقر به المقام عند راهب بعمورية ، ولما حضرت ذلك الراهب الوفاة قال له سلمان الفارسي : ( يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال أي بني والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجارا فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهموها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبدا فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي قال فلما سمعتها أخذتني العُرَوَاءُ حتى ظننت أني سأسقط على سيدي قال ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك ماذا تقول ماذا تقول قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ثم قال ما لك ولهذا أقبل على عملك قال قلت لا شيء إنما أردت أن أستثبت عما قال وقد كان عندي شيء قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم قال فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه كلوا وأمسك يده فلم يأكل قال فقلت في نفسي هذه واحدة ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئت به فقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها قال فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه قال فقلت في نفسي هاتان اثنتان ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد قال وقد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي قال فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تحول فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس قال فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد قال ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاث مائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمس عشرة والرجل بعشر يعني الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاث مائة ودية فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت فأتني أكون أنا أضعها بيدي ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة فأديت النخل وبقي علي المال فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي فقال ما فعل الفارسي المكاتب قال فدعيت له فقال خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان فقلت وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي قال خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك قال فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد ) .
ولسلمان موقف مشهود في يوم الخندق فإنه لما توجهت قريش وحلفائهم صوب المدينة يريدون الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك سنة خمس للهجرة، أشار سلمان الفارسي رضي الله عنه ، بأن يحُفر خندق يكون سداً منيعاً يحول بين قريش وبين وصولها إلى المدينة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق . وكان سبباً في الحيلولة بين قريش وبين أن تخلص إلى المسلمين .
ولسلمان مناقب جمة ، منها ، شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالإيمان ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} قال : من هم يا رسول الله فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا وفينا سلمان الفارسي فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: ( لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء ).
عاش رضي الله عنه قريباً من الثمانين عام ، فإنه لما مرض سلمان ، خرج سعد من الكوفة يعوده، فقدم، فوافقه وهو في الموت يبكي، فسلم وجلس، قال: ما يبكيك يا أخي ؟ الا تذكر صحبة رسول الله ؟ ألا تذكر المشاهد الصالحة ؟ . قال : والله ما يبكيني واحدة من ثنتين : ما أبكي حباً بالدنيا ولا كراهية للقاء الله. قال سعد : فما يبكيك بعد ثمانين ؟ قال: يبكيني أن خليلي عهد إليّ عهداً قال: ( ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب) وإنا قد خشينا أنا قد تعدينا .
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .
19 : الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة
الحمد لله رب العالمين ، ربنا ورب كل شيء ومليكه، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين نبينا وخليلنا محمد ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى يوم الدين .
هو عبد الله بن حذافة ابن قيس بن عدي ، أبو حذافة السهمي، أحد السابقين، هاجر إلى الحبشة، وأنفذه النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى كسرى .
له رواية يسيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب دعابة، فقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وأمّر عليهم علقمة بن مجزز، فلما كانوا ببعض الطريق استأذنه طائفة، فأذن لهم وأمّر عليهم عبد الله بن حذافة ، فبينما هم في الطريق، أوقد القوم ناراً يصطلون بها، فقال لهم عبد الله بن حذافة : أليس لي عليكم السمع والطاعة ؟
قالوا: بلى . قال: فإن أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار ، فقام ناسٌ ، فتهيأوا ، حتى إذا ظن أنهم واقعون فيها قال: أمسكوا، إنما كنت أضحك معكم، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذكروا ذلك له ، فقال: ( من أمركم بمعصية فلا تطيعوه ) .
وله رضي الله عنه موقف عظيم مع ملك الروم يدل على ثباته على الحق ، وأن نفسه تهون عليه إذا كانت في ذات الله . فقد وجه عمر الفاروق رضي الله عنه جيشاً إلى الروم ، فأسروا عبد الله بن حذافة ، فذهبوا به إلى ملكهم ، فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد، فقال: هل لك أن تتنصر وأعطيك نصف ملكي؟ قال: لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ملك العرب ، ما رجعت عن دين محمد طرفة عين ! ، قال: إذا أقتلك . قال : أنت وذاك . فأمر به فصلب، وقال للرماة : ارموه قريباً من بدنه ، وهو يعرض عليه ويأبى، فأنزله، ودعا بقدر ، فصب فيها ماء حتى احترقت، ودعا بأسيرين من المسلمين ، فأمر بأحدهما، فألقي فيها، وهو يعرض عليه النصرانية، وهو يأبي، ثم بكى . فقيل للملك: إنه بكى . فظن أنه جزع ، فقال: ردوه . ما أبكاك ؟ قال للملك : هي نفس واحدة تلقى الساعة فتذهب، فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري أنفس تُلقى في النار في الله .
فقال له الطاغية : هل لك أن تُقبل رأسي وأخلي عنك ؟
فقال له عبد الله : وعن جميع الأسارى ؟ قال : نعم . فقبل عبد الله رأسه .
وقدم بالأسارى على عمر، فأخبره خبره، فقال عمر : حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة ، وأنا أبدأ ، فقبل رأسه . مات عبد الله بن حذافة ، في خلافة عثمان رضي الله عنهما .
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
20: صهيب بن سنان (الرومي) رضي الله عنه
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وسلم .
هو صهيب بن سنان أبو يحيى النمري . من النمر بن قاسط، ويعرف بالرومي لأنه أقام في الروم مدة . وهو من أهل الجزيرة ، سُبي من قرية نينوى . قيل إنه جُلب إلىمكة فاشتراه عبد الله بن جدعان، وقيل: بل هرب وأتى مكة فحالف ابن جدعان. وهو من كبار السابقين البدريين .
عُذب صهيب الرومي، مع بلال وآل ياسر وغيرهم أول الإسلام ، فأُلبسوا أدرع الحديد، وصُهروا في الشمس، ونالهم من الجهد والعذاب كل مبلغ . وهو أحد الذين نزل فيهم قوله تعالى : { وأنذر الذين يخافون } إلى قوله : { والله أعلم بالظالمين }، وسبب نزول الآية ، أن الملأ من قريش مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعنده خباب، وصهيب، وبلال، وعمار، فقالوا : أرضيت بهؤلاء؟ فنزل فيهم القرآن .
ومن مناقبه : أنه عندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أراد صهيب الهجرة ، فحاولت قريش منعه، وقالوا له : أتيتنا صعلوكاً حقيراً، فتغير حالك، قال : أرأيتم إن تركت مالي، أمخلون أنتم سبيلي ؟ قالوا : نعم . فخلع لهم ماله . فبلغ ذلك رسول الله صلىالله عليه وسلم فقال: ( ربح صهيب ! ربح صهيب ) .
ومن مناقبه ما رواه عائذ بن عمرو أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها قال فقال أبو بكر أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : (يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك ) فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم ؟ قالوا : لا يغفر الله لك يا أخي.
مات صهيب في المدينة النبوية في شهر شوال سنة ثمان وثلاثين عن سبعين سنة، وقيل ثلاث وسبعين ، وقيل أربعاً وثمانين ، فالله أعلم .
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين .
21: أبو طلحة الأنصاري رض الله عنه
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، والصلاة والسلام على أحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد الخزرجي النجاري .
قال أنس: خطب أبو طلحة أم سليم ، فقالت: أما إني فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك كافر، فإن تسلم ، فذلك مهري، لا أسألك غيره. فأسلم . فتزوجها .
قال ثابت : فما سمعنا بمهر كان قط أكرم من مهر أم سليم : الإسلام .
قال عنه صلى الله عليه وسلم : ( صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة ) ، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : وكان أبو طلحة لا يصوم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الغزو ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أره مفطراً إلا يوم أضحى أو فطر . وهذا من مبالغته في الصيام رضي الله عنه .
شهد أبو طلحة رضي الله عنه بدراً والمشاهد بعدها، وكان ممن غشيه النعاس يوم بدر، قال أبو طلحة عن نفسه : لقد سقط السيف مني يوم بدر، لما غشينا النعاس . وقال أنس : لما كان يوم أحد ، انهزم ناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو طلحة بين يديه، وكان رامياً شديداً النزع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل، فيقول النبي صلىالله عليه وسلم ( انثرها لأبي طلحة) . ثم يُشرف القوم . فيقول أبو طلحة : يانبي الله ، بأبي أنت لا تشرف لا يصيبك سهم ، نحري دون نحرك .
ولما كان يوم حنين ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (من قتل قتيلاً فله سلبه ) . فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلاً ، وأخذ أسلابهم .
ومن مناقبه : ماحدث به أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس فلما نزلت هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله يقول في كتابه لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلي بيرحى وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح قد سمعت ما قلت فيها وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ) . فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه .
وفي الحج : لما حلق النبي صلى الله عليه وسلم شقه الأيمن دعا أبا طلحة ، فأعطاه شعر شقه الأيمن، ثم حلق الشق الأيسر من شعره وناوله أبا طلحة وقال اقسمه بين الناس . قلت : وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره من الناس ، فلا يتبرك بولي ولا صالح ولا غير ذلك .
وعن أنس رضي الله عنه قال : أن أبا طلحة قرأ : { انفروا خفافاً وثقالاً } فقال: استنفرنا الله ، وأمرنا شيوخناً وشبابناً ، جهزوني ، فقال بنوه: يرحمك الله! إنك قد غزوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر وعمر ، ونحن نغزو عنك .
قال: فغزا البحر ، فمات، فلم يجدوا جزيرة يدفنونه فيها ، إلا بعد سبعة أيام ، فلم يتغير . مات سنة أربع وثلاثين . رضي الله عنه .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين .
22: أبو ذر الغفاري رضي الله عنه
الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، والصلاة والسلام على إمام الهدى، ومصباح الدجى، صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
هو جندب بن جنادة الغفاري، أحد السابقين الأولين، وومن نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . كان آدم ضخماً جسيماً، كث اللحية، رأساً في الزهد، والصدق، والعلم والعمل، قوالاً بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم.
له قصة مشهورة في إسلامه،حدث بها ابن عباس رضي الله عنهما فقال : لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخيه اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء واسمع من قوله ثم ائتني فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله ثم رجع إلى أبي ذر فقال له رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاما ما هو بالشعر .
فقال ما شفيتني مما أردت فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل فاضطجع فرآه علي رضي الله عنه فعرف أنه غريب فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد وظل ذلك اليوم ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى فعاد إلى مضجعه فمر به علي فقال أما آن للرجل أن يعلم منزله فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى إذا كان يوم الثالث فعاد علي على مثل ذلك فأقام معه ثم قال ألا تحدثني ما الذي أقدمك قال إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت ففعل فأخبره قال فإنه حق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي ففعل فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه فسمع من قوله وأسلم مكانه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري) .
قال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه وأتى العباس فأكب عليه قال ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأن طريق تجاركم إلى الشام فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه فأكب العباس عليه .
ثم رجع أبو ذر إلى قومه ولبث فيهم، حتى ظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل إلى المدينة، وسكنها، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهد كثيرة، وكان رأساً في الزهد، ثم سكن الشام ، ثم تحول إلى الربذة قرب المدينة النبوية في خلافة عثمان ، ومات بها .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .
23 : الصحابي الجليل العباس عم رسول الله
الحمد لله العلي الأعلى، خلق فسوى، وقدر فهدى، والصلاة والسلام على إمام الهدى محمد بن عبد الله المجتبى المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ولد العباس رضي الله عنه قبل عام الفيل بثلاث سنين ، وهو أسن من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما قيل للعباس: أنت أكبر أو النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو أكبر وأنا ولدت قبله ! . كان من أطول الرجال، وأحسنهم صورة ،أبيض اللون، له ضفيرتان ، معتدل القامة ، وكان جهوري الصوت . أسلم قبل الفتح، وكان ممن أجار أبا سفيان بن حرب لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحاً .
وعن ابن عباس قال : أسر العباسَ أبو اليسر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (كيف أسرته ؟ ). قال: لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ولا بعد ، هيئته كذا . قال : ( لقد أعانك عليه ملك كريم ) . ثم قال –النبي صلى الله عليه وسلم – للعباس : ( افد نفسك ، وابن أخيك عقيلاً، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن جحدم ) فأبى وقال : إني كنت مسلماً قبل ذلك ، وإنما استكرهوني. قال: ( الله أعلم بشأنك ، إن يك ما تدعي حقاً ، فالله يجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافد نفسك ) .
وعن ابن عباس ، قال : أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأسارى في الوثاق، فبات ساهراً أول الليل ، فقيل: يارسول الله ، مالك لا تنام ؟ قال: ( سمعت أنين عمي في وثاقه. فأطلقوه ) فسكت، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي الحديبية لما انخذل المسلمون وولوا مدبرين ، ( وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار قال العباس وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين وأبو سفيان بن الحارث آخذ بغرز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس ناد يا أصحاب السمرة قال وكنت رجلا صيتا فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة قال فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا يا لبيك يا لبيك وأقبل المسلمون فاقتتلوا هم والكفار ..الحديث ).
ورخص النبي صلى الله عليه وسلم للعباس أن لا يبيت بمنى من أجل سقاية الحجاج بمكة ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها فقال اسقني قال يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه قال اسقني فشرب منه ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال اعملوا فإنكم على عمل صالح ثم قال لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه يعني عاتقه وأشار إلى عاتقه) .
وكان عمر بن الخطاب إذا أصابهم الجدب دعوا العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعوا الله لهم ليسقيهم الغيث ، فعن أنس رضي الله عنه قال : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون.
عاش رضي الله عنه ثمانياً وثمانين سنة، ومات سنة اثنتين وثلاثين ، وغسله علي وابن عباس، وأخواه قُثم، وعبيد الله، وحضر غسله عثمان رضي الله عنهم .وكانت له جنازة عظيمة، حتى أن أبي بن كعب و غيره من الصحابة حيل بينهم وبين الوصول إلى جنازته بسبب الزحام الشديد .
رضي الله عنه وعن صحابة نبينا محمد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .