site admin Admin
عدد الرسائل : 2065 الموقع : USA تاريخ التسجيل : 09/09/2007
| موضوع: لماذا قتلت فاطمة السبت مارس 29, 2008 2:59 pm | |
| لماذا قتلت فاطمة تعلق الصبية بصهريج الماء يتمسحون به ، يهللون ، يباركون الماء الداخل إلى قلب قريتهم بيت دجن الواقعة شرق نابلس ، تشتاق أكباد الناس إلى الماء في هذه الحرارة القائظة ، لم تكن الأسئلة تلق إجابات عن أسباب قصور مد شبكات الماء ، "وجعلنا من الماء كل شئ حي" ، العيون المطلة من تحت الخوذات والتي ترقب الطريق لم تكن ترضى أن يكون أي شئ حي في القرية ، فأبواز البنادق تسد الطريق على الناس ، يأتي فك الجرافة ذو الأنياب يخرج كرش الأسفلت ويعليه في كومة صادمة لكل الراغبين في عبور الطريق إلى القرية أو الخروج منها ، يسدون الطريق الذي يصل قريتهم بقرية بيت فوريك ، موقع الخوذات على التلة القريبة يفتش منظاره في أشكال الناس وهيئاتهم ، يقول الناس : "لن نموت ، يغلقون الطريق نسلك طريقا آخر ، صحيح أنه صعب وغير معبد وملتو ومملوء بالحفر والمنعرجات ، لكن لن يحاصرونا " .
يسلك الناس لاستمرار الحياة طريقاً آخر يوصل قريتهم بقرية سالم ، ينزعج الجنود فيغلقون الطريق الجديد ، وكلما فتح الناس طريقاً للحياة أغلقها الجنود فاتحين طريقا للموت .. فالجنود الذين كانوا يرون في يوم السبت يوما لرضى الرب عليهم فقط لم يعترفوا بأن بيت دجن مكان من صنع الله ، والناس فيه من خلق الله ، وأن يوم الأحد ويوم الجمعة من أيام الله وكل أيام الله مقدسة يحرم فيها القتل ، وإلا لماذا أطلق الجندي رصاصته نحو فاطمة أبو جيش؟!
يدخل صهريج الماء ، تنوء العجلات بحمله ، يغامر السائق بالدخول ، فالناس عطشى والقرية تحتاج لشربة ماء ، وما من سبيل غير الصهريج ، يتحلق الأولاد حوله من كل الجهات يحملون أوعيتهم البلاستيكية وقواريرهم وزجاجاتهم في إصرار على ملئها ، وإلا كيف يعودون فارغي الأواني من ماء يساعدهم بعض الوقت ، يقف الصهريج .. يتزاحم الخلق من كل الأعمار ، حتى تكاد أقدام الكبار تدوس أقدام الصغار ، يهتف صوت نشمي :
- طابور .. يا جماعة طابور، الماء يكفي الجميع ويزيد ..
يستجيب الناس للصوت ، يصطفون في طابور ، تهمس العجوز محدثة نفسها :
- حتى الماء يحتاج إلى طابور؟
- في المدينة يأتي الماء في المواسير إلى البيوت دون طلب .
قال واقف يحمل وعاء بلاستيكياً .
- يا الله يا ولد صف في الدور .
صوت هاتف آخر.
ينضبط الواقفون ، يصطفون رجالاً ونساء وأولادا يقطر من جلودهم عرق مالح لا يعوضه إلا شربة ماء ، الأواني فارغة ، يمر الواقفون بمحاذاة حنفية الصهريج ، خرطوم يندفع فيه الماء..
- الماء نظيف يا حاج ؟
- قال أحدهم يخاطب السائق الذي رد بتأفف :
- يا عمي نظيف .. والله العظيم من بئر البلدية .. هذا سؤال بتسألوه وانتو مش لاقيين ميه .
- بالله قول لرئيس البلدية مش معقول تاركنا من غير ميه ، حصار واحتلال وكمان ما في ميه .
يهتف السائق :
- هي يا اللا .. المي انكبت على الأرض ارفع الجردل .
يرفع الوعاء ليدخل تحت الحنفية وعاء آخر .
- كله من الخواجات أخذوا التلال حوالينا مستعمرات وسدوا الطرق ومنعوا المي حسبي الله ونعم الوكيل.
يرد آخر:
- وقال بدهم سلام ..
يعلو صوت رصاصات من التلة القريبة حيث موقع الخوذات ، يستعجل صاحب الصهريج الناس :
- ياللا يا إخوان قبل ما تنقلب الأحوال ويسدوا الطريق وما نعرف نرجع .
أفرغ الصهريج في أوعية الناس ، خرج به السائق على عجلة وبقايا الماء يصب على الطريق مع انحناءاتها ومطباتها ، نزل الجند من موقعهم على التلة ، أطلقوا صليات من الرصاص في الهواء والتلال وفوق رؤوس الأشجار والبيوت والحيوانات ، صاروا بمحاذاة الشارع ، أشاروا بالتوقف لكل العربات التي تريد الدخول إلى طريق القرية ، تمتم سائق الصهريج :
- الحمد لله اللي خرجت من القرية سالماً .
تمتم كثيرون وهم ينصرفون إلى بيوتهم :
- الحمد لله صار عندنا شوية مي وغداً يفرجها الله .
أغلق الجنود الشارع ، تصطف العربات القادمة إلى القرية في طابور يمنعها من الدخول وقوف الجنود عند أول الشارع ، لا إذن بالمرور إلا إذا أشار صاحب الخوذة ..
* * *
أنهت فاطمة أبو جيش وأختها عملهما في المستشفى العربي التخصصي في نابلس عند الرابعة عصراً ، فأخذت تنتظر قدوم عربة زوج أختها لتعود إلى بيت دجن .. تميل الشمس في طريقها للإياب وراء التلال العالية ، تهدأ الحركة في مدينة نابلس ، رفض الواقع ومقارعة المحتل جعل من المدينة التجارية جبلاً للنار ، كل المدن والمخيمات والقرى تتقد ، فاطمة فتحت منفذا للحياة تعيل منه أسرتها من خلال وظيفتها ، سفر.. سفر.. "كل صباح ومساء أسافر إلى لقمة العيش المغمسة بالجهد والعرق والصبر والكرامة ، خلق الله المسافات ، وطريقنا إلى رغيف الخبز مرهونة بالمسافات ، قدر الناس أن يعملوا ليأكلوا ، وقدري أن أعمل لأعيل أسرتي ، أصحو كل صباح على شروق يلمع فوق خوذات الجند عند تلال القرية ، أغادر إلى عملي وهم لا يغادرون ، وأعود في المساء وهم لا يغادرون ، يبصّون في مناظيرهم يراقبون الشوارع والأزقة ، يفتشون في حقول القرية عن حركة ، يترصدون الحركة بمزاج عصبي فتخرج طلقة أو طلقات .. الجندي العصبي المزاج لا يعنيه كيف ومتى وإلى أين تخرج الطلقة ، وفلاحو القرية لم تعد تعنيهم الطلقات ، في مدارج الصبا يعيشون ويبحثون عن أرزاقهم ويتفلتون من الحصار بكل وسيلة ممكنة" .
لم يتصور الحاج أبو العبد أن طريقه الوعرة إلى خارج القرية يمكن أن تصارعه عليها دبابة وتعيده من حيث أتى بعد أن حفرت الجرافة الملعونة الطريق الممهد ، يعود غاضباً ، لكنه يحمد الله على سلامته ، فرصاصة أطلقها الجندي فوق رأسه ليعود من حيث أتى كان يمكن أن تقضي عليه ، يقول الحاج أبو العبد :
- من خرج في طلب رزق العيال فمات مات شهيداً .
ترد أم العبد :
- الحمد لله أنك رجعت سالماً ، والرزق على الله ..
_ تصوري يا أم العبد كل الأرض اللي أخذوها مش واسعاهم لاحقينا على القرية .
- اللي ما ابتسعه الأرض ابيسعه القبر..
- هو بس الأرض .. حتى الميه .
* * *
أفلت سائق الصهريج قبل أن يكمل الجند تجريف وإغلاق الطريق الوحيد السالك ، وإلا لكان انحجز داخل القرية . صحيح أن أهل القرية كرماء ويمكنه أن ينزل في أي بيت ، لكن أين كان سيخفي الصهريج بعيداً عن طلقات الجند ؟! وأطفاله الذين ينتظرون عودته بالخبز من المدينة سيظلون على قلق ، أفلت السائق من حصار محقق عليه وعلى صهريجه ، كثيراً ما كان يقرر أن يعاند رؤساءه ولا يأتي بالماء إلى القرية لكثرة احتكاك الجند بالعربات المارة على الطريق ، "الاحتكاك معناه إصابة أو موت أو عاهة ، وعلى أقل الأمور إزعاج وتوتر وكوابيس تزعجني في اليقظة والنوم لشدة الضغط ، الكل مصاب بالضغط والجندي يتسلى بنا ، يأتي من مكان بعيد إلى طريق أقدامنا ، ووسائد نومنا ، وأفران خبزنا ، وروضات أطفالنا ، ليسكن مكاننا ويتسلى بحياتنا . يقولون معه أوامر مشددة ألا يمس الناس المدنيين ، ونحن نأكل ونشرب ونعمل وننام ونقاوم الاحتلال كل بطريقته ، ليس بالطلقة فقط تكون المقاومة .. شئ غريب أن تصبح قرية كاملة بأشجارها وناسها ، دورها وقبورها ، حياتها وموتها ، خيرها وشرها ، فقرها وغناها ، لبسها وعريها .. مكانا يتسلى به بضعة جنود نزقون هبطوا من التلال إلى الشارع ، أو نزلوا عبر المنظار إلى سلال الفلاحين وبسطات البائعين وصناديق العربات وصهريج المياه والخضار والفواكه وعلب الزيت ، تلك تسلية نزقة لجندي أعمى البصر والبصيرة ، جاء من أين لا نعرف ، وذاهب إلى أين نحن نعرف ، يريدونها فارغة ، لكن قبورنا باقية .. فأي حماقة هذه .."
يقترب الصهريج في طريق عودته من حاجز عسكري آخر على الطريق ، يضغط السائق على الكابح شيئاً فشيئاً ، يقف الصهريج تلوحه شمس مغادرة ، هواء زعتري نفّاذ عطر الرائحة يهب من التلال يغطي على رائحة البارود وخشخشة السلاح وأوامر الجند .. يشير له الجندي بالاستمرار .. الهواء الزعتري القادم من التلال يسري في الروح ويبعث في القلب حباً مجنوناً للمكان ، يقول في نفسه.. "لن أتنازل عن العودة غداً مرة ثانية بالصهريج مملوءا بالماء للقرية مهما تحامق الجند" ، وهتف بصوت مخنوق:"الرب واحد والعمر واحد" .
* * * لا تزال العربات القادمة إلى القرية تصطف في طابور طويل على الطريق الالتفافي الوحيد ، الجنود يتلهون بأي شئ إلا تسهيل المرور ، ثم بدأوا بالابتعاد عن الطريق عائدين إلى موقعهم ، يتلكأ بعضهم ، العربة التي تقل فاطمة أبو جيش وأختها وزوج أختها وقفت في الطابور ، أمامها وخلفها عربات كثيرة ، انفتحت الطريق بإشارة آخر جندي مغادر يتعابث ، أشار للعربات بالمرور وانصرف لاحقا بزملائه ، تمر العربات في تؤدة فوق منعرجات الطريق ، يتوالى مرور العربات وقد قهر السائقين التوقف الطويل والانتظار القاسي ونزف العرق ، وصل الجنود موقعهم بعيداً عن الطريق .. فاطمة أبو جيش ابنة العشرين ربيعاً تجلس في المقعد الخلفي للعربة .. وأختها تجلس في المقدمة بجوار زوجها .
فاطمة تنتظر بفارغ الصبر عودتها إلى البيت بعد يوم عمل طويل في المستشفى .. فجأة انطلقت رصاصة واحدة .. صوت آهة عميقة صدرت من المقعد الخلفي ، كابح قوي أوقف العربة حتى كادت ترتطم بها عربة من الخلف .. نظر زوج أخت فاطمة إلى الوراء .. رأى فاطمة تغرق في دمائها.. "من أين أتت الطلقة ؟!" لم يكن كثير وقت للتساؤل .. نظر إلى موقع الجند .. كانوا يتحدثون كأن شيئاً لم يكن ، انطلق عائداً بها إلى أقرب مستشفى ، ولما وصل مستشفى رفيديا كانت فاطمة قد أسلمت الروح فتعطرت من فوح دمائها المروج والسهول ، بينما لا يزال الجنود يتحدثون ويتسامرون في موقعهم ، يرصدون الطريق بخبث ، ويعبثون باستهتار بالطلقات وأرواح الناس .. سفر.. سفر.. إلى لقمة العيش المغمسة بالصبر والعرق .. وما بين لقمة العيش والقبر.. مجرد طلقة مصنوعة من نحاس أو دمدم يطلقها جندي لا قلب له.
في اليوم التالي كان سائق صهريج الماء يدخل كالعادة مخاطرا بحياته إلى القرية ، يمر جثمان فاطمة محمولاً على أكتاف الشباب .. يترك الناس ملأ أوعيتهم بالماء وينضمون إلى الجنازة .. الجنود يراقبون الجنازة من موقعهم ، يستمعون إلى الموسيقى ويمضغون اللبان ويطلقون رصاص لهوهم المعتاد .. في حين فقدت الأسرة معيلتها الوحيدة ابنة العشرين عاماً .. العائدة من عملها في نابلس إلى قريتها في بيت دجن والتي قنصها الجندي دون سبب ...
سفر .. سفر .. شمس تروح وتجئ على حارات القرية ، تمسح وطأة الحزن عن أكتافها ، وتمر على حناجر العصافير ، والأيتام ، والثكالى ، والقبور ، والحقول ، فتنمو حكايات كثيرة عن جندي يتلهى بالقتل دون سبب ..
| |
|
أم الذبيح عضو مميز جدا
عدد الرسائل : 597 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 18/11/2007
| موضوع: رد: لماذا قتلت فاطمة السبت مارس 29, 2008 7:12 pm | |
| .ربنا عليهم اعداء الاسلام قصه ادمعت العين ربنا يباركلك | |
|
site admin Admin
عدد الرسائل : 2065 الموقع : USA تاريخ التسجيل : 09/09/2007
| موضوع: رد: لماذا قتلت فاطمة الأحد مارس 30, 2008 2:18 am | |
| - اقتباس :
ربنا عليهم اعداء الاسلام قصه ادمعت العين ربنا يباركلك يارب
عدل سابقا من قبل Admin في الأحد مارس 30, 2008 2:19 am عدل 1 مرات (السبب : التنسيق) | |
|