من كتاب مجالس المؤمنيين
نحمد مولانا على منته العظيمة علينا أن بعث فينا رسولاً من أنفسنا يعلمنا الكتاب والحكمة ويزكينا، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين . المعجزة: هي الأمر الخارق للعادة، وارتبط اسم المعجزة غالباً بما يظهره الله على أيدي رسله الكرام تأييداً لهم في دعوتهم وإظهاراً لصدقهم، وتقوية لإيمان اتباعهم، وإزالة ما يعلق في النفوس من الشك والريب، وذلك أن كثيراً من النفوس مولعة بالتكذيب، فكان في ظهور المعجزات التي لا يقدر على مثلها البشر قمعٌ للمكذبة وربطٌ على القلوب المؤمنة . ولقد قص علينا الله في كتابه شيئاً من المعجزات التي أظهرها على أيدي بعض أنبيائه ورسله، كإنجاء الله لإبراهيم عليه السلام من النار وكونها عليه برداً وسلاماً ، وكفلق البحر، وانقلاب العصا حية لموسى عليه السلام، وكإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله لعيسى عليه السلام .
ولقد كانت المعجزات التي يظهرها الله على أيدي رسله تأتي من جنس ما برع فيه قوم ذلك النبي، لإظهار عجزهم ، فقوم موسى اشتهر فيهم السحر، وقوم عيسى اشتهر بينهم الطب ونحو ذلك .
ومحمد صلى الله عليه وسلم حصل على يديه كثيرٌ من المعجزات والتي يصعب حصرها في هذا المقام، ومع ظهور تلك الآيات التي لا خفاء بها، وعجز أولئك القوم عن الإتيان بمثلها أو ردها، إلا أن الملأ أهل الرياسة والغنى، ردوا الآيات والمعجزات بالتكذيب، بغياً وحسداً، وهوى في النفس أرداهم وصدهم عن قبول الحق واتباعه .
***فمن معجزاته صلى الله عليه وسلم : القرآن العظيم؛ وهو من أعظم المعجزات قال تعالى : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} . فعجز فصحاء العرب مع علو شأنهم في هذا الباب أن يأتوا بمثل القرآن أو بمثل عشر سور، أو بمثل سورة واحدة .
***ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم : انشقاق القمر فلقتين ، قال تعالى : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : (انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم اشهدوا) . وكانت حادثة انشقاق القمر، أن كفار مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية تدل على صدقه، فأراهم انشقاق القمر .
*** ومن الآيات أيضاً : إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار مكة لصفة بيت المقدس وهو لم يذهب إليه، وذلك إثر إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة عن حادثة الإسراء إلى بيت المقدس والمعراج إلى الرب عز وجل في ليلة واحدة ، فكذبته قريش، وطلبت منه أن يصف بيت المقدس، فجلا الله له بيت المقدس كأنه يراه ، قال صلى الله عليه وسلم : (لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه).
*** ومن المعجزات أيضاً : نبع الماء بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في غزوة الحديبية ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : (عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ فجهش الناس نحوه فقال ما لكم قالوا ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قلت كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة) .
***ومن المعجزات أيضاً : زيادة الطعام وتكثيره ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي عبيد بن أبي سلمة رضي الله عنه قال : ( خفت أزواد القوم وأملقوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر إبلهم فأذن لهم فلقيهم عمر فأخبروه فقال ما بقاؤكم بعد إبلكم فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ناد في الناس فيأتون بفضل أزوادهم فبسط لذلك نطع وجعلوه على النطع فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا وبرك عليه ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثى الناس حتى فرغوا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) .
وفيما ذكرنا كفاية ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم ، والحمد لله رب العالمين .