أحد الأطفال كان يلعب في داخل المنزل وأثناء اللعب كسر زجاج النافذة ..جاء أبوه إليه بعد أن سمع صوت تكسر الزجاج وسأل: من كسر النافذة؟ قيل له: ولدك. فلم يتمالك الوالد أعصابه فتناول عصا غليظة من الأرض وأقبل على ولده يشبعه ضرباً على يديه وسائر جسمه
أخذ الطفل يبكي ويصرخ وبعد أن توقف الأب عن الضرب جرّ الولد قدميه إلى فراشه وهو يشكو الإعياء والألم فأمضى ليله فزعاً
*******
أصبح الصباح وجاءت الأم لتوقظ ولدها, فرأت يداه مخضرّتان فصاحت في الحال وهبّ الأب إلى حيث الصوت وعلى ملامحه أكثر من دهشة.. وقد رأى ما رأته الأم.. فقام بنقله إلى المستشفى وبعد الفحص قرر الطبيب أن اليدين متسممتان وتبين أن العصا التي ضرب بها الطفل كانت فيها مسامير قديمة أصابها الصدأ, لم يكن الأب ليلتفت إليها لشدة ما كان فيه من فورة الغضب, مما أدى ذلك إلى أن تغرز المسامير في يدي الولد وتسرّب السمّ إلى جسمه فقرر الطبيب أن لا بدّ من قطع يدي الطفل حتى لا يسري السم إلى سائر جسمه فوقف الأب حائرا لا يدري ما يصنع وماذا يقول؟
قال الطبيب: لا بدّ من ذلك والأمر لا يحتمل التأخير فاليوم قد تقطع الكف وغداً ربما تقطع الذراع وإذا تأخّرنا ربما اضطررنا أن نقطع اليد إلى المرفق ثم من الكتف, وكلما تأخّرنا أكثر تسرب السم إلى جسمه وربما مات
لم يجد الأب حيلة إلا أن يوقّع على إجراء العملية فقطعت كفي الطفل وبعد أن أفاق من أثر التخدير نظر وإذا يداه مقطوعتان فتطلّع إلى أبيه بنظرة متوسلة وصار يحلف أنه لن يكسر أو يتلف شيئا بعد اليوم شرط أن يعيد إليه يديه
لم يتحمل الأب الصدمة وضاقت به السُبُل فلم يجد وسيلة للخلاص والهروب إلا أن ينتحر, فرمى بنفسه من أعلى المستشفى وكان في ذلك نهايته
*******
جاء الشاعر عدنان عبد القادر أبو المكارم ليصوغ قصته في قالب شعري حزين
كسـر الغــلام زجـــاج نافــذة الـــــبنا
من غير قصــد شــأنه شــأن البشـر
فأتــــاه والــده وفي يــده عصـــــــا
غـضبان كــالليث الجســــــور إذا زأر
مســك الغـــلامَ يدق أعظــــم كفــه
لـم يبق شيئـاً في عصــاه ولـــم يذر
والطفـل يرقـص كالذبيـــح ودمعــــــه
يجـري كجـري السيل أو دفق المطـر
نام الغــلام وفي الصبـــاح أتت لــــه
الأم الـرؤوم فأيقظـــته على حــــذر
وإذا بكفيـــــه كغصــــن أخضــــــر
صرخــت فجـــاء الزوج عــاين فانبهـر
وبلمحـــة نحــو الطـــبيب سعى بـه
والقـلب يرجف والفـــؤاد قــد انفطـــر
قــال الطــبيب وفي يديــه وريقــــــة
عجّـــلْ ووقّـــعْ هـــاهـنا وخــــذ العبر
كف الغــــلام تســـممت إذ بالعصـــا
صـدأ قــديم في جـــوانبها انتشــــــر
في الحـــال تقطــع كفــه من قبل أن
تســري الســموم به ويزداد الخطـــر
نادى الأب المسكـين واأسفــي على
ولــدي ووقّـــــعَ باكـــــيا ثم استتـــر
قطــــع الطبيب يديــه ثم أتى بــــــه
نحـــو الأب المنهــــار في كف القـــدر
قــــال الغــــــلام أبي وحـــق أمـي
لا لن أعــــود فــــرُدََّ مـــا مني انبتــر
شُــدِهَ الأب الجــاني وألقى نفســــه
من سطـح مستشفىً رفيـعٍ فــانتحر
*******